TOP

جريدة المدى > عام > تشيخوف واحد أم تشيخوفان

تشيخوف واحد أم تشيخوفان

نشر في: 27 يونيو, 2020: 06:19 م

د. ضياء نافع

هذا العنوان الطريف و المثير معاً جاء عند الباحث الروسي المعاصر دميتري بيكوف في كتابه الصادر عام 2011 في موسكو .

عنوان الجزء الاول من الكتاب – تقويم 1 ( وبعنوان أضافي هو – احاديث عن الشيء الرئيس ), وعنوان الجزء الثاني - تقويم 2 ( وبعنوان أضافي هو – نقاشات عن الشيء غير القابل للنقاش ) . يضم الكتاب تواريخ ميلاد في كل شهر من شهور السنة لمختلف الشخصيات في روسيا والعالم أيضاً وبعناوين طريفة ومبتكرة بكل معنى الكلمة ترتبط بتلك الشخصية , التي يصادف يوم ميلادها في ذلك الشهر أو هناك حدث مهم جرى لتلك الشخصية في ذلك اليوم , وهي صياغة مبتكرة فعلاً لتأليف كتاب بأكمله حول الشخصيات التي يرغب المؤلف أن يختارها للكتابة عنها , وقد اتاحت هذه الطريقة للمؤلف أن يختار شخصيات متنوعة جداً , لايوحّدها موضوع واحد ولا يربطها مع بعض أي رابط , سوى أنها ولدت في ذلك اليوم ليس إلا أو حدث شيء كبير في مسيرة حياتها بذلك التاريخ, وهكذا استطاع هذا الباحث أن يتكلم عن أي شخصية تخطر بباله , وقد تناول لينين وستالين وتشي جيفارا ومارغريت تاتشر والثورة الثقافية في الصين ومجموعة من الشخصيات العالمية الأخرى و في عدة مجالات , ومن جملة هذه الشخصيات كانت مجموعة من الأدباء الروس , إذ تحدّث المؤلف عن – تشيخوف واخماتوفا وشولوخوف وتولستوي وبوشكين وماياكوفسكي وبابل واكسيونوف ولوناتشارسكي وغريبويديف وفيسوتسكي ونابوكوف واندرييف وسولجينيتسن , ومن الواضح تماماً , أن هذه الأسماء مختلفة ومتنوعة جداً ولا يجمعها أي شيء مشترك .... وكل واحد من تلك الشخصيات الأدبية الروسية جاء تحت عنوان طريف خاص به , وكان تشيخوف بعنوان – تشيخوفان ( الترجمة الحرفية لعنوان المقالة عن تشيخوف كما جاء عند المؤلف هو – 2 تشيخوف) , وقد ارتأينا أن نترجم عنوان تلك المقالة – (تشيخوف واحد أم تشيخوفان وكما ذكرنا في عنوان مقالتنا هذه) , وذلك للتركيزعلى هذا العنوان الغريب أولاً , وثانياً لإيصا ل الفكرة الأساسية التي أراد المؤلف أن يقولها للقارئ ( و القارئ العربي بالذات الذي نكتب له ) , وخلاصة تلك الفكرة تكمن في انه أراد أن يقول , أن هناك ( تشيخوفان اثنان ) وليس تشيخوف واحد في الأدب الروسي , وهي فكرة غريبة فعلاً ومثيرة أيضاً لكل القراء , بغض النظر عن كونهم قراء روس أو من قوميات أخرى , إذ أن تشيخوف أصبح كما هو معروف – ومنذ فترة ليست بالقصيرة - أديباً عالمياً وليس أديباً روسيّاً وحسب. 

لقد جاءت مقالة بيكوف عن تشيخوف تحت تاريخ ( 29 ) كانون ثاني / يناير 1860 , وهو يوم ميلاد تشيخوف , وتقع المقالة في ( 21) صفحة من الجزء الأول من ذلك الكتاب , ( تشيخوف 1 ) من ص37 الى ص 48 , و(تشيخوف 2) من ص48 الى ص 58 . يرسم المؤلف في مقالته تلك صورة ( انطباعية ) جميلة لتشيخوف , تعتمد بالأساس على نتاجاته الادبية ( ومن الواضح أن المؤلف يعرف نتاجات تشيخوف بعمق ), وأقول ( انطباعية ) لأن الصورة تتكون من ( نتف ) , إن صح التعبير , من هنا وهناك من تلك النتاجات , حسب تعبيرنا العربي الشائع – (من كل بستان زهرة ) , وتبدو هذه النتف – للوهلة الأولى – وكأنها منتقاة بشكل عشوائي ودون أي خطة دقيقة واضحة المعالم لدى المؤلف, ولكن هذه المقاطع ترسم - في نهاية المطاف - فعلاً صورة فنيّة متكاملة لتشيخوف الأديب , وهذه الصورة الفنية ذكرتني بقول لتولستوي عن تشيخوف , إذ قال تولستوي آنذاك ما معناه, أن تشيخوف يرسم بالكلمات لوحاته مثل الفنانين التشكيليين الانطباعيين , لا تستوعبها للوهلة الأولى , ولكن عندما تتراجع قليلاً وتتأملها تكتشف جماليتها , وعندها تندهش . وهكذا الأمر مع هذه الصورة الفنية لتشيخوف و التي رسمها بيكوف له , إذ إننا نكتشف هناك الاستنتاجات التي وصل إليها المؤلف , نكتشفها عبر الايماءآت في تلك المقالة , أوما بين سطور تلك المقالة أيضاً . إنها لوحة مرسومة وفق أجواء المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي , لوحة لتشيخوف , والتي أراد المؤلف أن يثبت فيها وجود ( تشيخوفيين اثنين ) في الأدب الروسي , الأول هو تشيخوف (المعروف!) في الزمن السوفيتي , والثاني هو تشيخوف (غير المعروف!) لدى القراء في الوقت الحاضر , أي أن المؤلف رسم صورة تشيخوف كما يراها هو الآن , ونحن في القرن الحادي والعشرين , وهو يرى أن تشيخوف أكبرمن أن يكون كاتباً واقعياً وحسب , وإنه كاتب يمتلك وجهة نظره الفكرية الخاصة به , وجهة نظر تتبلور فيها حتى الآراء السياسية والاجتماعية رغم إنه قال كلمته هذه بشكل غير مباشر , ولكن القارئ الفطن يقدر أن يتلمّس كل هذا عبر الايماءآت التشيخوفية الفريدة في أدبه الرائع.

تشيخوف كان أديباً مشهوراً في روسيا الامبراطورية , وكان علماً من أعلام الأدب في روسيا السوفيتية , وها هو ذا يثير الباحثين من جديد في روسيا الاتحادية . لقد تذكرت ما قاله لي المرحوم د. عبد الأمير الورد عن تشيخوف , عندما دردشت معه قبل أكثر من عشرين عاماً في كليّة اللغات بجامعة صنعاء , وسألته لماذا كرّر تقديم مسرحية تشيخوف في العراق بعد أن قدّم نفس تلك المسرحية الفنان الكبير سامي عبد الحميد , إذ قال لي الورد عندها – لكل منّا تشيخوفه الخاص به ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

التقاليد السردية بين الأصالة والأقلمة

مقالات ذات صلة

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد
عام

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

علاء المفرجي يرى الكثير من القراء والنقاد انه كان للرواية ظهور واضح في المشهد الأدبي العراقي خلال العقود الثلاث الأخيرة، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه؟ خاصة والكثير من الشعراء دخلوا مجال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram