طالب عبد العزيز
في التحديات الوطنية الكبرى، كالتي يمر العراق بها اليوم، لا ينبغي لأحد الوقوف في المنتصف، إذ كل مساواة بين الوطنية والخيانة خيانة أخرى، وإذا كان البعض يرى بأنَّ الوقت ما زال مبكراً لمعرفة حقيقة ما يقوم وسيقوم به الكاظمي، وما إذا كان جاداً في نقل البلاد من الفوضى الى النظام واستردادها من اللصوص والقتلة أم لا، فهذا ما ستفصح عنه الأيام القليلة القادمة أو لعل الساعات الماضية أفصحت عن بعضه. ونحن مطالبون بموقف منه.
ولكي لا نضيّع فرصة الانتماء الى الحلم الذي ينشده العراقيون جميعاً نرى بأن (الثورة) التي يقودها الرجل ويعاونه فيها ثلة من الشرفاء، المشهود لبعضهم بالنزاهة والوطنية والشجاعة بحاجة الى موقف شجاع مساند منا، إذ كل المؤشرات تشير الى التغيير، لكن الرجل قالها واضحة بأنه لا يملك حزباً، ولا كتلة، ولا طائفة، لذا نرى أنَّ صمَّ الآذان عن ندائه سيكون خيانة أيضاً، وأن الوقت قد حان للوقوف الى جانبه، والتطلع معه الى عراق جديد، خال من العملاء واللصوص والقتلة.
نعم، هناك جملة مخاوف يجملها البعض: على أن الكاظمي إنما جيء به باتفاق الكتل، وهو مرشح الشيعة قبل أن يكون مدعوماً من أمريكا وغيرها، وكل هذا صحيح ووارد، فأمر البلاد بعد سبعة عشر عاماً من التردي ترك من الضباب والغشاوة على الأعين الكثير، لكنْ، لا ينبغي لهذا أن يكون حائلاً بين نصرته والتفرج عليه، فهذا مما لا يتمناه أحد، لعلمنا بحجم النفع الذي يتوخاه خصومه منه. هل نطالبه بوضوح أكثر؟ ربما، وهذا حقٌّ، وهل يجرّب الكاظمي نفسه في الشارع؟ نعم، وهذا ضروري جداً، لكنْ، بعد انْ يقْدِم على ما هو أكبر من احتجاز أربعة عشر متهماً، باطلاق الكاتيوشا.
في أبسط أدبيات آلية فهم المجتمع المدني العراقي إنه يحب الرجل القوي، إذ الطبيعة المدنية، وكون الشخصية العراقية بعامة ميالة الى التوظيف في الدولة، ومن ثم الإخلاص لها، فقد صيّرته يعوّل على جملة القوانين التي تشرّعها له، والتي تحميه من جور الآخر، فهو وإن كان قادماً للمدينة من الريف، ومتصلاً بنظام القبيلة، التي يجد أمن حياته فيها هناك، إلا أنه يعاني في الوقت ذاته من طبيعة نظامها المتخلف، والحياة الطويلة بين البنادق لا تطاق ، لذا، فهو يجد ضالته في ظل النظام القوي المنضبط، الذي يأمن فيه على أبنائه ومستقبلهم. ومن هذه سيجد الكاظمي انَّ الآلاف من العراقيين، الذين ظللتهم الأحزاب الدينية والمجاميع المسلحة، من أبناء العشائر وغيرها سيلتفون حوله، طامعين بحياة تنصفهم وتحقق طموحاتهم التي افتقدوها عند الإسلاميين.
يقول الماركسيون بأن الوعي بالثورة أكثر أهمية من الثورة نفسها، فما أحوجنا اليوم الى الشخصية الوطنية العابرة للطائفة والدين والمدينة، ربما تكون فضيلة الكاظمي، إنه لم يأت إلينا من بواطن كتب النقل والخرافة والأساطير، ولم تنخر عقله خطب (الوعّاظ المؤمنين) لذا، نتوسم فيه شخصية الرجل الباعث على استنهاض الأمل الذي أماته الذين يناصبونه العداء ويتوعدونه بالقتل اليوم.