TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: تخاريف السيد نجاح

العمود الثامن: تخاريف السيد نجاح

نشر في: 27 يونيو, 2020: 09:40 م

 علي حسين

كان الأب أنستاس الكرملي الذي لم يخلع ثوب الرهبنة يجوب البلدان بحثًا عن كنوز التراث العربي ليحققها ويحفظها من الزوال، وقرر أن يعقد مجلسه يوم الجمعة لما يمثله هذا اليوم عند المسلمين، فداخل كنيسة اللاتين التي اتخذها مقرًا له اعتاد المسلمون واليهود والمسيحيون التردد عليه،

فتجد مصطفى جواد يجلس إلى جانب عباس العزاوي، ومحمد رضا الشبيبي معه صديقه مير بصري ومنير القاضي يجادل ميخائيل عواد وجلال الحنفي منشغل بالمزاح مع يعقوب سركيس، والكل يلتزم بالشعار الذي خطه الكرملي داخل مكتبه "ممنوع الحديث في الدين والسياسة"، فبماذا كانوا يتحدثون؟، كانت اللغة والفكر والثقافة والتعليم هي الأهم في المجلس، وهو ما كان أبونا الكرملي يعتقد أنها السبيل لرقي العراق وتقدمه وبدونها سندخل في صراعات مذهبية وسياسية، كان العراقيون آنذاك يكدون عرقًا ويسطرون ملحمة يومية في وجه من يريد أن يغير هوية البلاد وانتماءها وثقافتها، من الموصل جاء متي عقراوي الذي سيصبح عميدًا لدار المعلمين العالية، وكان يؤكد لكل من يسأله عن أحوال العراق أن التعليم يبقى أهم من كل قرارات الدولة، وفيما كانت الأنظمة العربية تكبّل تعليم المرأة بقوانين جائرة قرّر الوزير المعمم محمد رضا الشبيبي أن يجلس بعمامته البيضاء النقية، وسط المعلمات المسيحيات واليهوديات يحتفل بافتتاح ثانوية للبنات في بغداد. 

ومن أقصى القرى الموصلية سوف يقدم المسيحي سليمان صائغ، مسرحيات تروي تاريخ الإسلام وتمجّد أبطاله، ومن الموصل أيضا جاء فؤاد سفر ليصبح سيد الآثاريين. ومن الكرادة سوف يذهب المسيحي ميخائيل عواد إلى لندن وموسكو واسطنبول وباريس يجمع المخطوطات الإسلامية، ليقدم أكثر من مئة كتاب تروي حكاية التراث العربي الإسلامي، ومن كركوك نزلت المسيحية بولينا حسون لتؤسس أول مجلة نسائية في بلاد العرب. 

هذا العراق الذي بني بمشقة رجال كبار من أجل أن يكون جرمًا مضيئًا في مدار الأُمم، لا حلقة في ذيل اهتمامات أنقرة وطهران! اليوم نجد من يخرج على الفضائيات مثل "المسخ" نجاح محمد علي ليقول من دون خجل: إن إيران قررت أن تخلع مصطفى الكاظمي من كرسي رئاسة الوزراء، فيما ناشط "إلكتروني" يسخر من جهاز مكافحة الإرهاب ويتمنى أن يختفي في يوم وليلة، صفحات يديرها "قرقوزات" همهم الوحيد أن يبقى العراق منكسرًا، لقد أمضى هذا البلد قرونًا يقدم عقولًا راقية، لا تابعين .

أحزاب وتجمعات تسخر من الوطنية وتعتبرها عارًا، فيما يتنازع على حريّة الناس في العراق ومستقبلهم نوعان، الأول يشرّع قوانين تمنح أصحاب الصواريخ وكواتم الصوت حرية الحركة، والثاني يضحك عليهم بكتابات من عيّنة لولا إيران لما كان هناك عراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram