اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > بناء العالم الخارجي لدى التكرلي

بناء العالم الخارجي لدى التكرلي

نشر في: 12 مايو, 2010: 04:22 م

د. مهند يونستعتمد روايات التكرلي على تقديم شخصية البطل من خلال علاقاتها بالعالم الخارجي اي ان الاختلاف يتضح في ملامح الشخصية من مواءمتها او تعارضها مع ماحولها وبشكل يتفق مع تطور الشخصية.
واذا بدأنا بـ(الوجه الاخر) وجدنا ان ذلك يتحقق من علاقة الزوج الوطيدة بزوجته اول الامر قبل ان تتدهور تلك العلاقة شيئاً فشيئاً حتى الصفحة الاخيرة من الرواية، اي بدءا من تعرفه الى سليمة زوجة الاعمى ثم استرداده لعزلته التي تتواءم كثيراً مع شخصيته مثقفاً لقد كان عالم الشخصية الخارجي والشخصيات المحيطة بها ذلك كله كان محكم البناء في (الوجه الاخر) لذلك فقد تمكن من احتواء بطل الرواية وتقديم ملامحه والاقتناع بها حتي الصفحة الاخيرة. اي ان هذا البناء الخارجي الذي يحتوي شخصية البطل كان ضروريا جدا للاقتناع بعدئذ بالمحتوي الداخلي، ذلك ما اجاده المؤلف في روايته الاولي. ولا شك ان البناء المحكم للعالم الخارجي هو في الوقت نفسه بناء لعالم الشخصية الداخلي. لقد صنع المؤلف بطله- اي زوج العمياء- بينما كان يصنع الاطار الخارجي المحيط به. وكذلك فقد صنع شخصيات اخرى علي غرار (عبد الكريم) و(منيرة) و(حسين) في (الرجع البعيد) بينما كان ينقل الحوارات العابرة في فناء الدار بين الجدة والعمة والزوجة المهجورة . هذا ما منح الرواية شكلا متينا تحركت فيه الشخصيات بحرية كبيرة ما دام الاطار الخارجي محكما.وعلى النقيض من ذلك بدت شخصيتا (هاشم) في (خاتم الرمل) و(توفيق) في (الاوجاع والمسرات) مشردتين تائهتين لا بفعل تشردهما- اذ ما من امر يمنع تشرد شخصية داخل رواية ما وفي وسط اجتماعي ما- لكنهما مشردتان في مسافة كل من هاتين الرواتين في تجوالهما المجاني في الاحياء والامكنة التي غدت مجانية هي الاخرى. ان ما فعله التكرلي في هاتين الرواتين الاخيرتين هو نقيض ما كان يفعله سابقا فبدلا من ان تهيمن الامكنة علي الشخصيات كما هو الحال في (الوجه الاخر) و(الرجع البعيد) حاول في عمليه الاخيرين ان يترك الحبل علي الغارب للشخصية من دون ان يؤطرها بمكان او بامكنة واضحة من دون ان يعزز علاقتها بتلك الامكنة ففقدت الشخصيات الاخيرة بذلك الكثير من قيمتها على المستويين الانساني والروائي وفقدت الامكنة، هي الاخرى، صلاتها الروحية ببطلي الروايتين الاخيرتين.ان الذي عزز موقع روائي مثل فؤاد التكرلي في (الوجه الاخر) و(الرجع البعيد) هو اخلاصه الواضح لنوع خاص جدا من الواقعية القائم علي العلاقة الوطيدة مع الاحياء والامكنة الشعبية. وظل هذا الروائي محترفا كبيرا حين جعل الشخصية الاولي في روايتيه السابقتين علي وفاق عال من الامكنة التي تلوذ بها في ضياعها ويكفي ان نتذكر عودة محمد جعفر الى غرفته في (الوجه الاخر) او عودة حسين المفاجئة الي مكانه الاول في (الرجع البعيد) حيث كانت الامكنة تمتلك قوة آسرة. وحتى في فصام الشخصية مع كل من حولها لكنها ليست في فصام مع امكنتها. ويتذكر القارئ جيدا في (الوجه الاخر) حيت ترحل العمياء الي بعقوبة فان زوجها لا يرافقها بل يلوذ بغرفته في بغداد. انه لصيق بمكانه ومثله كان عبد الكريم في (الرجع البعيد) وطيد الصلة بغرفته الموصدة وعلى اية حال فان ابطال التكرلي يحسنون البقاء في امكنتهم الاولى لكنهم لا يحسنون التجوال- كما اسلفنا- لان تجوالهم يحدث خللا بالغا في صناعته الروائية، هذا ما اتضح في (خاتم الرمل) ثم في (الاوجاع والمسرات) حيث التنقلات الواسعة بين الاحياء والمدن والبلدان البعيدة افقدت رواية المؤلف الكثير من الخصوصيات التي تميزت بها اعماله السابقة وحققت له واقعيته الروائية المتميزة، اذما عدنا نألف نكهته المالوفة التي اعتدناها في كتاباته السالفة. وبالرغم من فصام محمد جعفر مع عالمه الخارجي او فصـــــــــام عبد الكريم مع هذا العالم، هو الاخر الا ان الروائي نجح في صنع هاتين الشخصيتين بوساطة اواصرهما القوية مع الامكنة.ومرة اخرى فان مواصفات رواية التكرلي التي عززت موقعه كاتبا روائيا هي قبل كل شيء في بناء فصام عضال بين الشخصية وعالمها الخارجي علي غرار ما وجدنا في روايتيه السالفتين لكن ذلك الفصام اصبح واهيا ومجانيا في (خاتم الرمل) ثم في (الاوجاع والمسرات) واذا كان هاشم يستطيع ان يحل بعضا من فصامه بعودته من حين لاخر الي خاله للبحث في الماضي البعيد فما جدوي ترحاله وتجواله؟، ثم اذا كان توفيق يرتضي بعد ترحاله الطويل بين الامكنة والنساء بالعودة التي لابد منها الي اي مكان كان من تلك الامكنة والي اية امراة كانت فما جدوي ذلك التجوال الطويل؟ ان كان تجوال الشخصية علي مدي الرواية كلها، بين امكنة لا حصر لها اذا كان هذا التجوال لا يعزز بناء الشخصية الداخلي فما جدواه اذا؟.لقد كان كتمان محمد جعفر وعزلة عبد الكريم اكثر تصريحا من صخب توفيق ونزواته السريعة او شهوانيته غير المبررة في البناء الروائي. وما دام توفيق يحسن مراجعة النساء او هذا ما يوهم نفسه به او الاحتماء بهن. كما هو الامر مع (فتحية) اذا اقتضي الامر، فما معني محاولة اقناعنا بفصامه او هامشيته؟، ان معضلة توفيق تبدو بسيطة جدا ولا تستحق عناء حضورها في رواية بحجم (الاو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram