TOP

جريدة المدى > سينما > ذهب مع الريح .. مسرحة الاعتبارات المتأخرة

ذهب مع الريح .. مسرحة الاعتبارات المتأخرة

نشر في: 1 يوليو, 2020: 06:24 م

مرتضى محمد

الافتتاحية كانت موسيقى تتلاعب بالمشهد، والصورة، والكتابة لتهيئ الذهن لاستقبال هالة الشعور التي مهّد لها شخوص خُلدوا بهذا الأداء والذكرى. عبارات افتتحت المشهد الأخّاذ الساعي لإعطاء دلالات شتى تستدعي العملقة الفنية للخوض في تجليات ما سيؤول إليه النص الذي كُتب ، ليناسب أحد الروائع التي تشدك اليها بكل رؤية ، ولو بعد حين أو أحايين.

هل الدوران الأبديُّ لمسألة استفزاز الموجودات بمادية العقل وروحية البوح ، للبحث عن اللاوعي الذي يطرق أبواب العقل مبيحا ً مخرجات أخرى تبحث عن اللامألوف القصصي الذي يعود في كل (زمكان). هل هذا ما يفعله الدوران؟ هل هو عبقرية النص، أم عبقرية الأداء، أم عبقرية الصورة، أم عبقرية الحبكة، أم بشاعة الحروب ومآلاتها التي تُخرجُ صورا ً تستدعي كل البداهة لتتعاطى مع مكنونات المشهد الذي يضم هذه العبقريات مجتمعة ً. بعدها كان الأذنُ الذي اعُطي لكل تجليات العقل والقلب أن تتهيأ لما هو آتٍ من قصة حبٌ أزاحت كل الأتربة عن هواجس الحروب التي أعلنت نظريا ً على طاولات الاقطاع المتغنية بأعلام نصر كان مبالغ فيه حد التخمة والازدراء. قصة حب ٌ حملتها (سكارليت اوهارا/ فيفيان لي) بطريقة بوهيمية مؤطرةٍ بخوالج التحديات الاقطاعية التي رسمت كدلالات لواقع جنوبيٍ ملموس، ومعاش!. الجنوب الذي طالما كان قلبا ً خصبا ً لكل ما هو متشظٍ بالألم، والأرض، والعمل، والحب، والقسوة، والفقد!!. 

كان لهذا الحب كيان ماديٌ، تشبّع بمعنوية (سكارليت)؛ لنراه يخطو فوق الحرب، وفوق الازواج، وفوق الجثث، وفوق السمعة، وفوق الحُب ِ وألم الحب عندما يكون صوريا ًداخل النفس، لا يتخطاها الى من تريده، لتبقى تستشف كل صور الدمار؛ معللة ً للقاء، ذاك الامل الذي تترجى فيه قول (وانا أحبكِ أيضاً)؛ لكن (أشلي ويلكس/ليزلي هاورد) لم يفعلها قط ! ؛ليستمر الحب متخذا ً صوراً شتى، تجافيه -بقسوتها- هذه الصور مرات، وتأتيه بنسمة ما، مرةً. تأتّى لهذا القلب الراحل في ثنايا الرغبة، وألم اللقاء المبعد جرّاء تشابك القلب مع القلوب الغير عارفه اي مبهمات يحويها ذلك القلب. حتى استراح قبل الريح مع قلب بوهيمي ٍ، يعطي الهاجس حقه، عارفا ً أي طرق سلك ويسلك ذاك القلب المتعب بأعاجيب شتى، ليحتويه بأحد الزينتين، ثم يعود مرة أخرى ليحتويها بكلتيهما، كان هذا البوهيمي (كابتن بتلر/كلارك غيبل) يزين لها حياتها على طريقة (المليون زهرة قرمزية) ، كل حدائق المادة ،والمعنى. المعنى الذي انتحر فيه قلبه بعد وفاة ابنتهما/الطفلة (بوني)؛ ليبدأ أول صرير للريح قادما ً بعد رياح الشمال العاتية التي أطاحت بكل الأخضر الذي توشحت فيه (تارا) وترك الجنوب –كما يبدو دائما ً- بمشهد كانت حصرية الإبداع فيه للمخرج (فيكتور فليمنغ) ، بيّن فيه بشاعة الحرب ، وصور القتلى، بين ممزق، ومدمى، وبين من يعزف بدموعه ألم الأنباء القادمة من الجبهة، نشيد الوطن المبتور على مقربة من أرض الجنوب، التي طالما حملت معها أغاني الماء والدم ، كان رحيل (بوني) التراجيدي، والمأساوي قد ذكّر (سكارليت) بمشهد الرحيل المؤلم لوالدها (جيرالد أوهارا/توماس ميتشيل)، عندما خرج مسرعا ً على ظهر جواده ليدفع خطر المادة ، وشره الاقطاع -الذي عرف أي دم تحوي مخالبهُ بعد حين- عن شراء حب حياته ، الأرض/(تارا). 

(بوني) ، وعملقة الحب القديم داخل قلب (سكارليت) ، وردود أفعال الرائع (كابتن بتلر) الذي أراد بكل ما أوتي من فوضى خلاقة، ومال، وفروسية، وحب أن يملأ هذه المساحة القاسية في قلب زُرِعت وروده خلف أسيجة من حديد ، كونتها حالة الجوع بعد الشبع!!. كل هذا توقف بعد الرحيل ، على درجات السلم الأحمر الذي أفرز (سكارليت) على شكل صور ، نستدعيها الآن لنتكاشف من خلالها، حول ما الذي تعنيه تواقيع الاقطاع/الدول عبر الأزمان بشرطية التملك ، على حساب كل هواجس الحياة التي تؤول الى التملك أيضا ً شريطة أن تكون أقلام التواقيع تستخدم أحباراً تملأ، وتعجن بأغاني الأرض. 

مدخلات الفيلم الذي اصطحبنا فيه نص مبدعة هذه الرواية (مارغريت فيتشر) من خلال بوحها الكتابي التي حملته أدائياً (ميلاني هاميلتون/اوليفيا دي هافيلند)، كانت غير مألوفة كمشاهدة اولى ؛ فهي (مقدمة موسيقية/Overture)، ثم (استراحة/Intermission)، ثم (موسيقى الخروج/Exit music) معلنا ً بهذه المدخلات آلية المسرحة التي جالت بكل البوح، والحب ، والألم، والفقد، والنزوع الى مراحل البوهيمية التي رافقت وبصورة مستترة كل صور الوقت والكلام، وافعال الوجد ، معلنة اعتبارات كل ما عتق في الأيام والأبداع ، ليترك السؤال هل هناك ما تأتي به الريح ؟ أم أننا نعلنه موتاً ثانياً؛ لتكون مقابل كل "60 ميلاً من الخراب من اتلانتا حتى البحر" أن هناك من تجلى بالحب حتى آخر فرصة معلنا ً أمام العيون التي ملئت بكل لحظات المسرحية المأساة، والملهاة ، مخاطبا ً إياها عبر تجليات فقده " لا يا عزيزتي أنا لا آبه إطلاقا ً " . 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

ترشيح كورالي فارجيت لجائزة الغولدن غلوب عن فيلمها (المادة ): -النساء معتادات على الابتسام، وفي دواخلهن قصص مختلفة !

تجربة في المشاهدة .. يحيى عياش.. المهندس

مقالات ذات صلة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر
سينما

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

علي الياسريمنذ بداياته لَفَتَ المخرج الامريكي المستقل شون بيكر الانظار لوقائع افلامه بتلك اللمسة الزمنية المُتعلقة بالراهن الحياتي. اعتماده المضارع المستمر لاستعراض شخصياته التي تعيش لحظتها الانية ومن دون استرجاعات او تنبؤات جعله يقدم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram