اجرى الحوار/ فراس عبد المجيد و التكرلي من ابرز الكتاب المخضرمين الذين عايشوا مراحل مختلفة من تاريخ العراق الحديث وكانوا من شهودها . إلا أن شهادة الكاتب لا يمكن أن تكون إلا ذات منحى إبداعي تحتمه شروط وتقنيات العمل الأدبي وآلياته الفنية .
وهو ما عكسته نتاجا ته الإبداعية التي بوأته مكانة متقدمة في الأدب العراقي الحديث بخاصة ، والعربي بشكل عام . ومن هنا كان لزاما علينا ، ونحن نجري معه هذا الحوار ، أن نعود به إلى بدايات تجربته الأدبية في المجال السردي في أواخر أربعينيات القرن الماضي ومطلع خمسينياته ، لنرافقه في المراحل اللاحقة التي شهدت تطورات كبيرة وحاسمة في تاريخ الأدب العراقي الحديث .وفي كل إجاباته ، ظل فؤاد التكرلي متوقد الذهن ، رحب الصدر ، برغم محاولات استفزازه في بعض الأسئلة. بدايات المشهد * : كيف تصف لنا المشهد القصصي والروائي في العراق في الخمسينيات من القرن الماضي ؟ في ضوء ما شهده الواقع الثقافي والفني من تجديد على مستوى الشعر والتشكيل والعمارة وغيرها ؟-: في الحقيقة إن جيل الخمسينيات يبدأ في الأربعينيات . يعني أن من كانوا يكتبون في الخمسينيات هم من بدأوا الكتابة فعلا في الأربعينيات ، مثل عبد الملك نوري ، وذو النون أيوب ، وعبد الحق فاضل ، ومهدي عيسى الصقر ، وشاكر خصباك الذي نشر مجموعة قصصية أو اثنتين في مصر. وهكذا نجد أن نهاية الأربعينات تتداخل مع بداية الخمسينيات . بالنسبة إلي كانت البداية في سنة 1950 بالضبط . حيث كتبت قصة قصيرة عنوانها " العيون الخضر " ، فكانت بداية فنية ارتحت إليها . أما عن علاقاتنا ككتاب ، فقد كنا نلتقي كأصدقاء . كان بيننا صديقي عبد الملك نوري ، حيث كنا نتحاور ونتناقش ، والقضية الرئيسية التي كانت تشغلنا ، ويبدو أنها كانت تشغل بقية الكتاب أيضا ، بشكل أو بآخر ، هي قضية إخراج القصة القصيرة من رتابتها ، أو بالأصح من سذاجتها الاجتماعية ، ككتابات ذو النون أيوب وعبد المجيد لطفي وغيرهم ممن كانوا يوظفون قصصهم لغاية اجتماعية ، وذلك للفت الأنظار إلى المظالم التي كانت تقع على الشعب آنذاك . وكانوا بذلك يهملون الناحية الفنية والتقنية .* : ربما نسيت القاص أدمون صبري .. ألم يكن من نفس المجموعة ؟-: أدمون صبري كان فعلا من ضمن المجموعة ، وكان كاتبا من نوع خاص ، لأنه لم يكن يعتبر من الأدباء بقدر ما كان " قصة خون " أي " حكواتي " ، وكان كاتبا من طراز خاص ، فلم يكن له هم فني أو إبداعي .* : هل يمكننا التعرف على الكتاب الذين كانوا يحملون مثل هذا الهم الفني والإبداعي في الكتابة القصصية آنذاك؟- : كنا تقريبا : أنا وعبد الملك نوري ، وكنا بحكم وجودنا في الساحة الثقافية نتحاور ، وكنا أحيانا نكتب حوارنا على شكل مقالات نقدية ، أو على شكل مذكرات ، وقد أعلنا أن القصص الاجتماعية التي كان يكتبها ذو النون أيوب ورفاقه يجب أن تستبدل بقصص تهتم بالمجتمع العراقي ، ولكن بتقنية فنية راقية يمكن الاعتراف بها في الخارج ، ويمكن اعتبارها قصصا ذات تقنية عالية وناجحة فنيا . وهذا ما يمكن اعتباره ثورة على القديم ، أو على السائد من الاتجاهات . ولابد من الإشارة إلى أنه في الخمسينيات تغير الاتجاه ، من خلال التأكيد على أن الأعمال القصصية يجب أن تتشكل فنيا من أجل أن يكون تعبيرها عن المظالم التي يعانيها الشعب العراقي مؤثرا من الناحية الفنية .* : هل يمكن أن تعطينا نماذج من هذا الأدب القصصي ؟- : في ذلك الوقت نشر عبد الملك نوري مجموعة قصصية بعنوان " نشيد الأرض " في سنة 1945 . وكانت حركة النشر آنذاك متواصلة ، فقد نشر كل من مهدي عيسى الصقر وشاكر خصباك مجاميع قصصية كانت تقترب مما كنا ندعو إليه أنا وعبد الملك نوري .* : أين نشرت قصتك الأولى " العيون الخضر " ؟- : هذه القصة كانت فيها مشكلة ، لأنها كانت مكتوبة بالدارجة العراقية . وحين أرسلتها إلى مجلة " الأديب " اللبنانية ، التي كانت تنشر للكتاب العراقيين ، لم تنشر لهذا السبب . بعد ذلك بعدة سنوات ، وربما في سنة 1952 أو 1953 زارني الشاعر عبد الوهاب البياتي والشاعر كاظم جواد ، وطلبا مني قصة لتنشر في مجلة " الأسبوع " التي كان ينوي إصدارها الكاتب خالص عزمي . ومع ذلك نشرت القصة مشوهة ومقطعة الأوصال بسبب الرقابة والأحكام العرفية التي كانت سائدة آنذاك . ونشرت القصة بعد ذلك في سنة 1960 في مجموعتي " الوجه الآخر " .. وقد تأخرت لمدة عشر سنوات تقريبا حتى ظهرت بشكلها الطبيعي . وهذه القصة أعتبرها مهمة جدا ، لأنها ذات منهج خاص لغويا ، من خلال توظيف اللهجة العامية العراقية ، واختيار موضوع معين وتكنيك معين في كتابتها . وقد استعملت نفس التكنيك في رواية قصيرة عنوانها " الوجه الآخر " كتبتها سنة 1956 . وقد تطورت هذه الرواية تدريجيا حتى أصبحت رواية " الرجع البعيد " و هكذا يمكن إيجاز المرحلة بقصة " العيون الخضر " ثم " الوجه الآخر " فرواية " الرجع البعيد " . * : اضافة إلى هذا العمل ، ما أبرز الأعمال القصصية والروائي
فؤاد التكرلي:ربما كنت الكاتب الوحيد الذي كتب ضد حزب البعث وهو في السلطة
نشر في: 12 مايو, 2010: 04:23 م