علي حسين كانت المرة الاخيرة التي شاهدت فيها وجه فؤاد التكرلي هي قبل عام حين حضر فعاليات اسبوع المدى الخامس في اربيل .. تعب في العينين وثقل في الحركة ورعشة خفيفة في اليد وصوت مرهق يحمل شيئاً من صدى ايام مضت وابتسامة يختلط فيها الشرود بالحزن
حينها ايقنت ان السندباد التكرلي سيحط رحاله . وان هذه خاتمة رحلة طويلة كان فيها التكرلي الكاتب الذي يتجول في شوارع بغداد يصطاد حكايات العراقيين واحلامهم واحزانهم وضياعهم والامهم ومسراتهم في روايات واعمال ادبية احتلت موقعا رياديا في الادب العراقي ومكانا طليعيا في الثقافة العربية فكانت هذه الاعمال علامة بارزة في مسار الادب العراقي بقدر ما كانت علامة في تطور الادب العربي الباحث عن الواقع .كان التكرلي يتنفس داخل الكتابة ويعيش لاجلها وقد استطاع خلال رواياته ومسرحياته المفعمة بالابعاد الاجتماعية والسيكولوجية والسياسية ان يتغلغل الى ادق التفاصيل والجزئيات التي يحفل بها الواقع العراقي معبرا اصدق تعبير عن هموم الناس باشكال ادبية غنية في فن السرد والحوار وبناء الشخصيات والحبكة في اختيار الرموز وانتقاء الاحداث وقد تبدى ذلك واضحا في مجمل اعماله الروائية والقصصية والمسرحية التي جاءت لتؤكد هوية هذا الكاتب وشهادة صادقة عن اعمال الروائي والكاتب الاصيل . كتب التكرلي العديد من المسرحيات للمسرح العراقي كان ابرزها الصخرة واوديب والملك السعيد ولعبة الاحلام والطوف وزوج السيدة م ومرض . وغيرها وقد اصر التكرلي على ان يطلق على هذه المسرحيات وصف (حوارية) بدلا من مسرحية مؤكدا ان هذه ليست مسرحيات بالمعنى الحرفي والمتفق عليه للكلمة انها بالاحرى محاولات في الحوار استغلت بعض قابليات المسرح لتقديم الواقع منظورا اليه من زاوية نظرا مختلفة وغير مالوفة . حواريات مسرحية تلك هي الصفة التي تعامل معها المسرح العراقي مع مسرحيات فؤاد التكرلي فلم تجد لها قبولا كبيرا لدى صناع المسرح العراقي لطغيان الافكار وغياب الفعل على حد تعبير احد المخرجين الا ان بعض هذه المسرحيات وجدت من يقدمها فقد اخرج الدكتور طارق العذاري مسرحيتين هما الصخرة واوديب والملك السعيد وقدم سامي عبد الحميد مسرحية الصخرة فيما اعدت فرقة المسرح العراقي الحديث روايته القصيرة الوجه الاخر لتقدم باسم الرهن واخرجها سامي عبد الحميد .. يرحل فؤاد التكرلي تاركا لنا احلام اديب واوجاع صخرة سيزيف تاركا لنا صدى رجعه البعيد كاننا نراه في مسرات العراقيين واوجاعهم ونقرأ طالعه في خاتم الرمل .. يغيب فؤاد التكرلي تاركا لنا ارثا ادبيا كان المسرح فيه هاجسه الذي رافقه لسنوات طوال . يغيب فؤاد التكرلي صاحب الاحلام المعذبة التي رافقته طوال حياته حيث قدم لنا من خلال هذه الاحلام انساننا العراقي بنبضه ودمه بمسيرته الانسانية بفعله البطولي واحلامه المنكسرة التي نتمنى ان تجد لها صدى طيبا على خشبة مسرحنا العراقي ..
أحلام فؤاد التكرلي
نشر في: 12 مايو, 2010: 04:24 م