اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > فؤاد التكرلي والتعلّق بفكرة الطبائع

فؤاد التكرلي والتعلّق بفكرة الطبائع

نشر في: 12 مايو, 2010: 04:27 م

ناقد عراقي مقيم في هولندا د. عبدالله إبراهيم  بوفاة الروائي العراقي فؤاد التكرلي يوم الأحد 10/ 2/ 2008 عن عمر جاوز الثمانين عاماً يكون قد تلاشى آخر أطياف جيل الرواد الكبار في الكتابة السردية العراقية الحديثة، فقد غيب الموت من قبل عبدالملك نوري،
 وغائب طعمة فرمان، ومهدي عيسى الصقر، وتعزى الريادة الفنية في الكتابة الروائية والقصصية العراقية إلى هؤلاء. فهم الذين دشنوا منذ أربعينيات القرن العشرين، الأرضية الحقيقية لتحديث الكتابة السردية، وقامت الأجيال اللاحقة بتطويرها وترسيخها. وطوال نصف قرن ظلت كتابة التكرلي موضوعاً للجدل النقدي بوصفه رائداً، وبوصفه كاتباً إشكالياً في نزوع ابطاله نحو الأخذ الكامل بطبائعها الموروثة، وبخاصة الجنسية. تستند المدونة السردية للتكرلي الى فكرة جوهرية سادت في الأدب الفرنسي في القرن التاسع، وهي فرضية ثبات الطبع الموروث الإخلاص له، وامتثال الشخصيات لجملة الظروف التربوية الأولية التي نشأت عليها، ظهر ذلك بوضوح لا يخفى في رواية "المسرات والأوجاع" وفي رواية "الرجع البعيد" وفي رواية "خاتم الرمل". وأفضل تجليات هذه الفكرة نجده في "المسرات والأوجاع" إذ يسلط ضوءاً عميقاً على التاريخ الأسري بوصفه خلفية توجه سلوك الشخصية الرئيسة "توفيق " واستجلاء الأبعاد الداخلية السلوكية والغريزية لتلك الشخصية. ترتبط مصائر الشخصيات بالطبائع، فهي منقادة لطبائعها، أكثر مما هي خالقة لمصائرها، ويمكن اعتبار "توفيق " أنموذجاً يبرهن على هذه الفكرة التي تتخفى حيناً في تضاعيف النص، لكنها تظهر في أحيان أخرى باعتبارها قضية تستأثر باهتمامه حينما يبدي ملاحظات "نقدية" حول الكيفية التي تبنى بها شخصيات بعض الروايات التي يقرأها وإذا انتظمت تلك الملاحظات في سياق تفسير سلوك الشخصيات فإن الخلاصة النهائية لهذه الفكرة المحورية تتكشف تماماً من خلال بناء الرواية التي تحرص في جزء كبير منها على اضاءة الخلفيات الوراثية للشخصية، وهي خلفيات تنتمي إلى جذور طوطمية غامضة تتصل بالقرود إلى درجة ينظر فيها إلى عشيرة "آل عبدالمولى" بوصفها سلالة قردية، فالحارة المغلقة التي يعيشون فيها، ويتوالدون دون ضوابط معروفة، تسمى بحارة القرود (دربونة الشوادي) والجد الأكبر للسلالة كان معروفاً بجسده القصير المتين، وبخلقته الغريبة، فهو أقرب إلى القرد منه إلى الإنسان". هذا الانتساب الطوطمي الوراثي يجد صداه بوضوح في نسله "كان أبناؤه من بعده وأبناء أبنائه صوراً مشوهة أو محسنة قليلاً من هذا النموذج الباهر". وعلى الرغم من أن "سور الدين" الابن الثاني ل "عبدالمولى" والذي به تختتم سلالة الأبناء يضل عن السلالة، ويخرج عليها بالزواج من امرأة غريبة عنها. فإن ابنه توفيق المهجن من خليط يوصله من ناحية الدماء بالسلالة ومن ناحية الشكل بالأم التي اقتحمت أسوارها، يبقى أسير الطبع الذي ورثه عن السلالة الطوطمية، فحياته إلى النهاية إنما هي تجليات رمزية للطبع الغريزي لسلالة، تماثل القرود، في اشتباكها العنيف والمستمر بالجنس الذي يأخذ مظاهر شبقية حادة لا يقصد منها الإثارة المباشرة، إنما الوفاء للطبع، وكأن الفكرة الضمنية التي يريد النص بلورتها على نحو غير مباشر، هي: أن نكبة السلالة المنكفئة على ذاتها،. تلحق أولئك الذين اختاروا التمرد عليها، نكبة تتضمن وجهين، أولهما الانهماك بلذة غير ممتعة كتعبير عن ذلك الطبع الغريزي في عالم بدأ يكيف الغرائز، ويحول مسارها، ويقمعها ضمن سلالم متنوعة ومتدرجة من الأخلاقيات والقيم. وفي هذه الحال سيظهر الانهماك بوصفه شذوذاً عن قاعدة، إذ ليس ثمة أمل في العودة إلى طبيعة الأشياء بفعل الانساق الثقافية التي جرى قبولها والتواطؤ عليها. وكنتيجة لهذا الوجه يظهر توفيق معذباً ومنشطراً على نفسه، لأنه ينتمي في آن واحد إلى نسقين متعارضين: الطبيعة ممثلة بالسلالة والثقافة ممثلة بالميول الفردية. وثانيهما الضياع والضلال والتشرد، فمن يجرؤ على انتهاك عالم السلالة، بالخروج عليها، لا يتم فقط إبعاده والتخلي عنه، وتركه وحيداً يواجه عالماً مغايراً، إنما معاقبته والاقتصاص منه، فتوفيق لم يجر الاستغناء عنه فقط، بوصفه عنصراً تمرد على السلالة، من خلال العمل والعلاقات الاجتماعية الأخرى والشكل الخارجي الشاذ بالنسبة للسلالة، إنما جرت معاقبته بعنف وقسوة، فكأن ثمة مخططاً قدرياً غامضاً يحكم علاقات الشخصيات فيما بينها وفيما بينها والعالم الخارجي. تتضمن رواية "المسرات والأوجاع" كثيراً من الإشارات التي تبرهن على أهمية الطبائع والغرائز، ليس فقط كموجهات ومحفزات لأفعال الشخصيات، إنما كشروط فنية لبناء الشخصية الروائية الناجحة والسوية، ففي اليوميات التي يدونها توفيق عن حياته، علاقاته، وقراءاته، يقوم بتحليل كثير من النصوص الروائية، ويقدم أحكاماً "نقدية" حولها، تكشف منظوره للشخصية الناجحة وقواعد بنائها، ومن ذلك أنه يرى نقصاً واضحاً في بناء شخصية "سانين" وشخصية "ميرسو" على الرغم م

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram