د.أحمد عصام
فاجأني أحد الأصدقاء بدعائه وحمده وشكره الله سبحانه وتعالى على (نعمة كورونا) ، فسألته عن السبب فأجاب أنه ينعم بخيرات كورونا ، فقد تيسرت أموره المادية و تخلص من مشاكله الاجتماعية ، فطلبت منه البيان والتفصيل ، فقال :
لدي بنتان تدرسان في جامعة بغداد ، وولد يدرس في جامعة الإسراء الأهلية ، وكنت مثقلاً بهموم تدبير أجور الخطوط وأقساط الدراسة وتبعات المصاريف الأخرى ، وأنا الآن ضامن لنجاح هؤلاء من دون أن أدفع فلساً واحداً ، فضلاً عن أن المواد الدراسية والمحاضرات تأتي إلينا مجاناً عن طريق (التعليم الألكتروني) ، فلا نحتاج إلى استنساخ ملازم ولا شراء مصادر ، وإن تسهيلات قرارات وزارة التعليم (والحمد لله)، تضمن النجاح للطالب بالمجّان ، وبسهولة لأن أبنائي مشتركون مع الكروبات فتأتيهم الإجابات بشكل مريح وسريع ، و(الحمد لله) أصبحت زوجتي مرتاحة (خاتونة) لأن البنات تفرغن لأعمال المنزل ، وإبني بدأ يساعدني في المحل التجاري ، (والحمد لله) تباكيت قليلاً لصاحب البناية فعفاني من دفع الإيجار ، (والحمد لله) تباكيت لصاحب المنزل ـ أيضاً ـ فعفاني مدة شهرين ، ثم طلب مني الاستمرار بدفع نصف الإيجار (والحمد لله) ... و بدأت أجمع الأموال وأفكر الآن في شراء سيارة ، وليتها تكون من صناعة يابانية ، وليتها تكون من نوع (كورونا) ، (والحمد لله) على نعمته وأدامها على الجميع ...
تبدو هذه الحكاية بسيطة ، لكنها كوميديا سوداء ، تكشف لنا (كورونا) حلكة ما نعيشه من أكاذيب ، وأبشع الكذب أن يكون متبادلاً ، وخطاباً سائداً ستبني عليه الأجيال حياتها ، وإن المستوى الأكثر بشاعة في هذه الأكاذيب أن تكون هيكلاً للغة الحكومة ونظام الدولة و مؤسساتها ، ويعد التعليم من المؤسسات التي لها علاقة بالمستقبل ـ ضمن مفهوم التطور العلمي والتقني والثقافي ـ وقد كشفت لنا كورونا ضحالة مستوى التخطيط لدى أصحاب القرار في وزارة التعليم العالي ، فأطلقوا كذبة (التعليم الألكتروني) ، وارتبطت هذه الكذبة بالقرار السياسي المهيمن على الوزارة ؛ لأنّ الحكومة تخشى من موجات التظاهرات التي يشكّل الطلاب عنصراً فاعلاً ونسبة عددية وتكوينية في هذه التظاهرات، ولذلك منحوهم عن طريق كذبة (التعليم الألكتروني) ، نجاحاً مجانياً ، وقدموا لهم شهادات (كلك) مع مرتبة الشرف ، ويصرون على قبول طلبة الدراسات العليا لإنشاء مشروع (كذبة عليا) ، وراح المسؤولون في هذه الوزارة يباركون لأنفسهم هذا النجاح في التجربة الجديدة ، ويتبادلون التهاني ، بعد أن صنعوا (الكذبة) وصدقوها . ويذكرنا هذا المشهد برواية أحد الجنرالات الألمان ، عندما سُئل عن سبب خسارة هتلر الحرب العالمية الثانية ، فروى أن الضباط المهندسين في الصناعة العسكرية كذبوا على هتلر وأوهموه بنتائج غير صحيحة لمعداتهم العسكرية المتعلقة بأجهزة الإتصالات ، وفي تصاميم منظومات الرادارات الأرضية ورادارات الطائرات والسفن والغواصات ، ولذلك خسرت ألمانيا الحرب
ونحن نعيش في ظل حكومة متكونة من وزارات تعيش على قرض الأكاذيب واجترارها ، فوزير الثقافة يدّعي إصابته (كذباً) بكورونا ، ثم يواجه الفايروس ويعقد معه إتفاقية سياسية خطرة ، مضمونها (النهار لي ، والليل لك) ، لكي يشيع ثقافة الشجاعة والمواجهة مع الفيروسات ، وهذا الدور موكل لخطط وزارة الثقافة التي تساعد بنشر الوعي الصحي بين المجتمع ، والخطاب المسكوت عنه يكشف أن شر البليّة ما يضحك (والحمد لله) على الثقافة.
وكشفت لنا كورونا عن وجه سياسة وزارة الصحة التي تؤدي عملاً دعائياً وترويجياً لقائد تيار سياسي ، إذ قام السيد رئيس الوزراء بافتتاح مشفى (السندويج بنل) الذي تبرع به (السيد) وتياره ، على الرغم من أنهم كانوا سبباً في تفشي النعمة (والحمد لله) ، في حين أن جهات أخرى قامت بالعمل نفسه أو أفضل منه ولم توجه إليهم كلَمة شكر (والحمد لله). ويطول الحديث في مجال الصحة ، فقد كشفت لنا كورونا أن أحد الأحزاب ذا الجناح المسلح المعاند يسيطر على استيراد الأدوية ، وقد أتخمت خزائن قادته بملايين الدولارات من قومسيونات الشركات ، والخاوات من التجار المستوردين والموزعين و أصحاب المذاخر الكبيرة ، وتضخمت خزائن كل هؤلاء نتيجة استغلال حاجة الناس إلى العلاج ، ولاسيما علاجات كورونا ، وهي نعمة عليهم (والحمد لله) .
وكشفت كورونا لنا أيضاً أن هذا الحزب قد انتصر على الدولة ، ففي حادثة (الدورة) لم تستطع الحكومة أن توقف إثني عشر جنديا بسيطاً سوى أيام معدودات ، وقد رأينا أثني عشر كوكباً منتصرين والأمن والقضاء لهم ساجدين لعدم كفاية الأدلة . وإذا كان الموقف يظهر بهذا الشكل أمام مجموعة جنود ومرتزقة فكيف سيكون الموقف إزاء القادة والقواعد؟! وهذا يعني أن هناك كذبات كثيرة وكبيرة ستتكشف لنا ، فالقضاء على الأحزاب والمليشيات (كذبة) ، وبناء اقتصاد تنموي في البلاد (كذبة) ، واستقرار الدينار مقابل الدولار (كذبة) ، وخطط تنمية الأقاليم (كذبة) ، ومفهوم الأمن الوطني والسيادة (كذبة) ، والانتخابات المبكرة (كذبة) ، وكنا نسمع أن كورونا (كذبة) ، لكنها أثبتت لنا نفسها أنّها الوحيدة ليست كذبة .