طالب عبد العزيز
ليس هناك أرض أكثر استباحة للدم من الأرض في العراق، ولم تعرف البشرية استرخاصاً للانسان مثل الذي تقوم به الجماعات الإسلامية المسلحة، وليس هناك رعب توغل عميقأ أكثر من الذي يعيشه الفرد العراقي كل يوم،
هناك وحشية في كل شيء، وموتٌ، خرافيٌّ لا يمكن إسقاطه على أي قانون سماوي أو وضعي، وتبدو المقارنات بينه وما قرأناه في التاريخ لا قيمة لها، حتى، نحن، الذين عشنا بطش النظام السابق، اخفقنا في إيجاد معادل الرعب والموت بين هذين الوحشين، ترى ما الذي يحدث؟ في ظل حكومة ما زالت عاجزة.
كانت المشاهد الفيديوية الخاصة بمقتل الخبير هشام الهاشمي والتي شاهدناها مرعبةً بحق، تستفز الضمير الانساني فينا، تستغور الجسد الذي يحملنا فتنخره وتميته- لا اريد أن أتحدث عن أهمية الرجل كخبير أمني وعالم في بحثه ورؤيته الثاقبة- لكنْ ما يهمني هنا، هو صورة القاتل، حامل البندقية، الذي وقف أمامه وأطلق النار، هناك، قوة مطلقة تدفع به، ترى أيّ قوة؟ فهو لم يلتق الرجل، وليس بينه وبين هشام شيء من عداء وخصومة، أتراه كان موقناً بأن ما يقوم به هو قصاص رباني أو تكليف شرعي، يمنحه حرية القتل كاملة، هو يعلم بأن الكاميرات سترصده وتدون ما يقوم به، وربما ستتخلى الجهة التي دفعت به عنه إن وقع بأيدي القضاء.
أسئلة مثل هذه تقودنا الى أنَّ القاتل لا يقدم على فعل القتل بمفرده، وأن الجهة التي تدفع به تعلم علم اليقين أنها تستند على دعامات صلبة، لا تخترقها الدولة القائمة، وهي قادرة على النفاذ الى المكان الذي تريده، بل ولديها من الأسلحة ما تقدر به على المواجهة مع أي سلطة، فهي لا تخشى قوة الدولة، لأنها تمتلك القناعة التامة بمهامها، وجملة ما تدافع عنه يتجاوز التكليف الشرعي والأمر الإلهي وعواقب القتل والمواجهة الى المحافظة على ما تملك، ووجوب ديمومته، بل ومقارعة من يريد الوقوف أمامه، هناك دولة قوية أخرى، تملك كل آليات الدولة الضعيفة، حتى أنَّ وقود سيارات الدفع الرباعي، التي قتلت الهاشمي ستدفع فاتورتها الدولة الضعيفة.
كل رهان المتظاهرين سيسقط أمام الكاظمي، وسيوصم بما وصم به خلفه عبد المهدي، إن لم يبحث في شأن قتلة الهاشمي، ويخلص الى نتيجة مقنعة، فإما يكون الهاشمي آخر قتيل على أيدي الجماعات الخارجة على القانون أو يكون آخر حجارة سقطت من صرح أحلام العراقيين بالتغيير. شوط أخير من مباراة استنفدت وقتها الضائع، فقد أسقط دم الهاشمي جملة الحجج التي قبعت خلفها، هو امتحان صعب بكل تاكيد، فالأشهر الثلاثة التي مضت على دولته لا يمكن مقارنتها بالسنوات الطويلة، التي مضت على تأسيس الدولة الكبرى، وربما يخسر مقعده في منازلة بسيطة، لكنهم سيخسرون مملكتهم في منازلة لا أكبر منها شيء.
بين عيني القاتل، صاحب البندقية الواحدة، يكمن مصير دولة قوية كبرى، لكن، هناك من يعول على الكاظمي قائلاً :" ترى هل ترسم الإطلاقات التي هشمت جسد الهاشمي نهاية الدولة هذه.