إياد الصالحي
أسدت رسالة اللجنة الأولمبية الدولية درساً بليغاً لهواة الأزمات والصِدام والتفرّد بصناعة القرارات المناوِئة للسياسة العامة للحكومة، وتبنّي المواقف الرامية لاستطالة مدة بقائهم في الموقع دون مراعاة (فيتو) القانون المحلي الذي يحول دون ممارسة رئيس اللجنة الأولمبية السابق رعد حمودي أية صلاحية مع زملائه، فكان لا بدّ للمؤسسة الدولية أن تجد الحل الموائم مع احترام حُكم القانون العراقي وصوت الجمعية العمومية ويُلزم الجميع ببنود رسالتها الثلاثة.
المفارقة أن رسالة الأولمبية الدولية المؤرّخة في 7 تموز 2020 والتي ردّت على خطاب مشترك رفعهُ لها أحد عشر اتحاداً رياضياً كانوا قد حرّروه قبل ثلاثة أيام من ذكرى مرور 126 عاماً على تأسيسها في 23 حزيران 1894 حيث دبَّجَ يومها الفرنسي بيير دي كوبرتان رائد العقيدة الأولمبية أولى مبادئ ميثاقها بأن (الفكر الأولمبي يمثل فلسفة حياتية تمجّد الصفات الراقية للجسد والإرادة والعقل في شكل متوازن، وفي هذا الإطار يسعى الفكر الأولمبي عن طريق مزج الرياضة بالثقافة والتعليم الى ابتكار نمط للحياة يرتكز على المتعة المستمدّة من بذل الجهد والتشبّث بالقيم التعليمية للقدوة الحسنة واحترام المبادئ الاخلاقية) وهكذا الرسالة الدولية تؤكد حرصها على تكامل ما طرحه كوبرتان في الجسد الأولمبي العراقي.
لا نود اجترار تبعات عصيان بعض مسؤولي الأولمبية أمر الحكومة بعدم موافقتها على إقامة انتخابات 15و16 شباط 2019 احتراماً للقرار القضائي وقطعها المال عن مكتبهم التنفيذي غير الشرعي كون مؤسّستهم عُدّت منحلّة بقرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر يوم الأحد 11 شباط عام 2018، لكن من حقّنا التساؤل :كيف يمرّ ضياع ستة عشر شهراً من تاريخ العمل الأولمبي دون حساب أو مراجعة من قبل الجمعية العمومية في مؤتمرها الاستثنائي المقبل؟ ألا يفترض أن يتحمّل المتسبّب المسؤولية الكاملة بعدما تمّ التصرّف بالملف الأولمبي وفقاً لـ"العين بالعين والسنّ بالسنّ" حسب ما جاء ببياناتهم وتصريحاتهم في اجتماعات ليست خافية وأغلبها أعلن لوسائل الإعلام؟!
استشهد هنا بحواري مع وزير الشباب والرياضة السابق د.أحمد رياض الذي نُشر في جريدة المدى يوم الأثنين الموافق 9 آذار 2020 جاء تحت عنوان (مسؤولو الأولمبية حوّلوها الى جسم غريب .. وحلّها لدى العمومية وليس الحكومة والبرلمان) حيث أكد في أحد محاور حديثه القيّم والمهم في توقيته (بالرغم من سعينا لاستحصال الموافقة على تحويل أموال مؤسّستهم من وزارة المالية الى حسابها مباشرة دون تدخّل الوزارة، ظلّوا منزوعي الشرعية ولم يتقدّموا خطوة لاستعادتها، ولم يتعاملوا وفقاً للقانون الجديد الذي شرّعناه لهم) وأشار الى أن (الحكومة تبقى تراقب الأولمبية الوطنية عن بُعد، وتأمل أن تجد هيئتها العامة الكيفية التي تضفي الشرعية الكاملة لها داخل العراق، فإذا رامت الاتحادات بقاء وضعها الحالي كما هو فهذا شأنها، أما إذا أرادت أن تنجز نظاماً داخلياً جديداً وتجتمع لحل المكتب التنفيذي وتعيد الانتخابات فهو أمر جيد لا تعارضه الحكومة طالما يتوافق مع الإجراء القانوني الوطني أو الدولي) وهذا ما حصل بالفعل، وإن جاء متأخراً، إلا أنه يُحسب لجهود د.رياض في حمل أعباء الملف منذ أول وهلة حتى وصول رسالة الأولمبية الدولية بعد مغادرته المنصب بشهرين فقط.
بالرغم من تحرّكه الصريح وتماهيه مع رجالات الحكومة وتأييده لمقترحاتهم وتفاعله معها، إلا أن الكابتن رعد حمودي لم يكن يواصل الحراك ذاته داخل المكتب التنفيذي الفاقد للشرعية، فغالباً ما ينوب عنه بعض مسؤولي الأولمبية لإعلان الموقف الرسمي المعارض لاتفاقه مع رئيس مجلس الوزراء أو وزير الشباب والرياضة السابقين، ما أدّى الى تقاطع الرؤى بين الطرفين وتهميش وجوده كونه لا يمتلك الصلاحية، وعجز عن القيام بأي دور كقائد مُنتخب، ولولا الخطأ الستراتيجي باختياره ضمن اللجنة الخماسية كشخصية رياضية وليس لكونه رئيساً للأولمبية لمَا مرّت تلك الأشهر هباء أو عُلّق تدويل الملف، وهو ما ترك العمومية في حيرة من أمرها ولم تتخذ المبادرة بذريعة أن رئيسها هو الشخص الوحيد المُعترف به رسمياً لدى الحكومة وإن حمل اسمه فقط!
أحد عشر عاماً (1976-1987) قضاها رعد حمودي على خط مرمى المنتخب الوطني بطلاً خالداً في ذاكرة الكرة العراقية والخليجية والآسيوية والأولمبية والمونديالية دون أن ينافسه في الشجاعة أي حارس ووقَّتَ قرار اعتزاله بمنتهى الحِكمة وفقاً لظروفه آنذاك، فيما ظلّ أحد عشر عاماً (2009-2020) مدافعاً عن موقعه الأولمبي بأية وسيلة، وتعرّض الى هجمات رسمية وشبه رسمية دعتهُ للخروج عن مرماه في أحايين كُثر، ما سمح باهتزاز ثقة فريقه التنفيذي غير مرّة! فيا ترى ..هل ينطوي درس الرسالة الدولية الأخيرة على قرار حكيم ثانٍ له؟!