تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
مرة أخرى نعود لمناقشة ظاهرة فنية سميت (مسرح السيرة) وهناك لا بد من التفريق بين مفهوم (السيرة) ومفهوم (السيرة الذاتية) فالأول يخص ما يكتبه الآخرون عن شخصية معروفة، أما الثاني فيخص ما يكتبه الشخص نفسه عن حياته. وعلى سبيل المثال فقد تم اكتشاف ثمانين مسرحية كتبت بين 1900 إلى 1977 شخصياتها الرئيسية فنانون مشهورون .
لا شك في أن أي دراما هي في الحقيقة قصة متخيلة وتحتوي أحداثاً وإن كانت لها صلة معينة بالواقع فأنها من صنع خيال المؤلف وليس صورة فوتوغرافية لذلك الواقع ، فالواقع في المسرحية هو واقع مسرحي وليس واقعاً فعلياً حقيقياً وإن الشخصيات فيها قد تكون موجودة في الحياة أو قد يكون لها تشابهٌ في الواقع التاريخي ونالوا شهرة معينة في حياتهم أو بعدها، وأولئك الكتّاب الذين يقصدون لسيرة غيرهم أنما يرجعون على مصادر عديدة ، منها السيّر الذاتية والرسائل والكتابات التي تخصهم ومقابلات مع أصدقائهم وأقربائهم، وتعتمد كل تلك المصادر على المصداقية ، وبالمقابل هناك مسرحيات تتناول شخصيات من الواقع التاريخي ولكنها تتسم باضافات المؤلفين مستلهمة من ذلك الواقع وعلى سبيل المثال ففي مسرحية رولاند هاردوود (الخزانة ذات الأدراج) فأن الشخصية المركزية فيها فنان اسمه سير) وهو ممثل – مدير قديم . قد استلهمها المؤلف (هاردوود) من شخصية الممثل الإنكليزي المعروف (السير دونالد وولفيت) وقد قال عنها "سير ليس هو وولفيت" . وإن علاقة نورمان مع (سير) ليست هي علاقتي مع (وولفيت) وزوجته في المسرحية مختلفة تماماً عن (روزالند) زوجة (وولفيت) .
هناك معيار آخر بشأن مصداقية مسرحيات السيرة الخاصة بالفنانين المشهورين تخص المهمة التي تتولاها شخصية الفنان في المسرحية فمسرحية مثل (فيرجينيا) لأدنا أوبراين ومسرحية مثل (ليس حول الأبطال) لستيفن ماكدونالد تركزان على جبوات فنانين مشهورين مباشرة في حين هناك مسرحيات سيرة أخرى فيها شخصيات فنية تؤدي مهام أوسع ، ففي مسرحية كريستوفر هامفون (حكايات من هوليوود) فأن شخصية (برتولد بريخت) وشخصية (هنريك مان) تمثلان أولئك الفنانين الذين هاجروا المانيا إلى هوليوود خلال الحرب العالمية الثانية .
وحاول (بريخت) جاهداً ان يقضي وقته في هوليوود لتغيير العالم بواسطة المسرح، وكان (توماس مان) قادراً على فهم أولئك الذين تركهم في المانيا محاولاً مساعدتهم بطرق فكرية نخبوية وأن تكن غير مؤثرة وقد تم توظيف شخصية (هنريك مان) للتأكيد على المشاعر العامة لعزلة المهاجرين الى بلد أجنبي . تمثل شخصيات الفنانين قضايا تخص اللاجدوى السياسية وعدم شجاعة الفنانين والمفكرين المهاجرين، فالمثقف عاجز ويتراجع أمام القوى السياسية والاجتماعية في بلاد المهجر.
وتُرينا مسرحية دستي هيوز (المستقبليون) حياة الفنانين والمثقفين في روسيا عام 1921 بعد سنوات قليلة من الثورة البلشفية. ومن شخصيات تلك المسرحية كل من (ماياكوفسكي) و(آنّا اخماتونا) ، و(أوسيب ماندلستام) و (الكساندر بلوك) و(كوليا غوبيليون) و(مكسيم غوركي) . وتعكس حياة تلك الشخصيات اضطراب وقلق زمنهم. وحاولت مجموعات أخرى من الفنانين تطوير شكل أعمالهم لتناسب التعبير عن الثورة بتغيير الحياة الداخلية والخارجية .