اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: من شجون الثقافة

قناطر: من شجون الثقافة

نشر في: 15 يوليو, 2020: 07:28 م

 طالب عبد العزيز

واحدة من مهام الثقافة في مجتمع ما هي أنها تجعل الحياة متاحة وممكنة، ذلك لأن الانسان في دورة وجوده اليومية، وما يعترضه من المتاعب والمشاكل، في البيت والأسرة والعمل والشارع سيكون بحاجة الى ترديد بيت الشعر الجميل، أو معاينة اللوحة المناسبة لذوقه، وسماع القطعة الموسيقية أو الأغنية التي يحب وهكذا، ولعل الهارموني هذا، الذي "يدوزن" الحياة ومتاعبها على سلم اللحظة المتأملة ظل فاعلاً بالانسان، يوازنه في لحظات ضعفه، ويضاعف الأمل له، ويحدثه بإمكانية التغيير نحو الأفضل.

نجد النمط من العلاقة هذه جلياً في المجتمعات الآمنة المستقرة، ولعل واحدة من إنجازات الحضارة في أوروبا انَّ السلطات ظلت راعية وضامنة للعلاقة هذه، حتى صرنا نحيل كل ما تم انجازه من الفنون، في عصر النهضة الى نمط الحكم آنذاك، ولعل الفعل الحضاري هذا صار متوالية السلطات في فرنسا وايطاليا والنمسا وألمانيا وغيرها في القرون المنصرمة. وصار بمستطاع معاين الأعمال الفنية الخالدة تصور ورؤية نمط الحياة الذي كان، على خلاف المجتمعات والأنظمة التي لم تعِ معنى وجوهر العلاقة هذه، فضاعت فرص التحضر وتشرذمت المواهب وبلغت الانحطاط في معظم مفاصلها، ولا برهان أصدق من الشعوب التي حكمها العسكر، والتي ظلت تتقلب مع تقلب أمزجة الجنرالات، وكذلك كان حال الشعوب التي حكمتها الأنظمة التوتاليتارية والثيوقراطية الى حدٍّ ما، حيث تنفرد السلطة بإدارتها بعيداً عن حاجة مجتمعاتها الى ما يخفف من أعباء الحياة عبر حضانة الثقافة للسلطة.

وفي(الادب الجاهلي) يحدثنا طه حسين عن عملية المحو المقصود للأثر الشعري والسردي الذي كان قائماً قبل الإسلام من قبل نظام الحكم الإسلامي ثم يحدثنا عن التشوية الذي قام به الوضّاع والنحّالون، الذين أوهمونا بانتساب ما دون الى فترة ما قبل الإسلام، وبذلك اصبحنا أمة لا تعرف عن ماضيها شيئاً، هذا العبقري الذي دلنا على حقيقتنا في المحو وطمس ثقافتنا التي لا بد إنها كانت مختلفة عن ما درسناه ذات يوم، بل قمعت السلطات الدينية في بعض البلدان أفكاره، فلم يكرمه أحدٌ هناك، ولعل ما قامت به السلطة الدينية في مشرقنا العربي من ربط محكم بين الدين واللغة والحياة حجب عنا حقائق كثيرة، حتى ذهبت كل محاولات المثقفين العرب في إنتسابنا الى حضارات بلاد ما بين النهرين ووادي النيل بلاد الشام وغيرها أدراج الرياح.

تذكرتُ بيت أبي نؤاس الشهير:" تسألين عن سقمي ؟ صحتي هي العجب!! وأنا أرصد حال الثقافة في العراق وبعض البلاد العربية، وقد بات الشاعرُ محرجاً في أن يقول عن نفسه شاعراً، ويخجل الموسيقي من حمل آلته بين الناس، والرسام وهو خائف يكدس أعماله في محترفه أو في بيته، ولا يجد من يشتريها.. ولكي نصل الى نتيجة ما، في ما تعاني منه ثقافتنا نقول بان النظام الديني المتشدّد والسلطان الجائر انتجا لنا مجتمعاً معاقاً ذهنياً، لا يعرف عن ماضيه شيئاً ولا يجد في الفنون والثقافة إلا نقيصة في الفكر وفجوراً في السلوك، الأمر الذي جعل المثقف في وادي الضياع والمجتمع في وادي الغفلة، وبذلك تحقق حلم السلطان الجائر، وفقدنا الأمل في التغيير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram