TOP

جريدة المدى > عام > هُوِيّةُ أحْوَال لعَائِلة تُفَاوِضُ الدُّخَان

هُوِيّةُ أحْوَال لعَائِلة تُفَاوِضُ الدُّخَان

نشر في: 18 يوليو, 2020: 07:12 م

حسام السراي

 

وَحِيدَةٌ،

بِلا وَافِدِينَ يَهْتِكُونَ لُغْزَهَا،

بِلا غُرَبَاءَ يَرْتَابُونَ

مِنْ جَلَبَةِ دَرَابِينِهَا،

بِلا خَدَمٍ يُلمِّعُونَ أبْوَابَهَا،

تَكْتُمُ رَأسَهَا عَلَى الأَكْتَافِ

لِتَنَام..

كأنّها وَرَقَةُ شَجَرَةٍ 

تُسَلِّمُ للطيّ فِي كِتَابِ الأقْدَار...

أوَ لَيْسَتِ المَدِينَةُ 

لُغْزاً،

دَرَابِينَ،

أبْوَاباً مُغْلَقَةً وَمَفْتُوحَة،

وَرَقَةَ شَجَرَة، تَنْضُجُ وَتَذْبُلُ ولا تَتَحَلَّل...

يَسْتَفِيقُ السِّجِلُ المَدَنِي عَلَى سَطْرٍ يَرِفُّ لاسْمِ (بَغْدَاد)، بتَارِيخِ مِيلادٍ يَتَسَامَى عَلَى وَفْرَةِ الأرْقَام: هَذا الزَّمَانُ ومَا قَبْلَهُ ومَا بَعْدَه، بَيْنَمَا لِلَقَبِ حِبْرُ وُضُوحِه: آلٌ مِنْ بَشَرٍ وَسُطُوحٍ في عُرُوقِهما دَمْعٌ وَدَمٌ وَمَاءٌ وانْتِظار، وعَلَى المَحْيَا عَلامَاتٌ ظَاهِرَة: أحْيَاءُ مَيْسُورِينَ هَذّبَهُم صَمْتُهُم، وأفْوَاهُ فُقَرَاءَ جَمَّدَتْ رَعْشَةَ الغَضَبِ وأَجّلَتْ وَحْشَةَ السَّؤال.

سِتّةٌ هُوَ عَدِيدُ أفْرَادِ أُسْرَتِها، لَهُم أغَانٍ وعَزَاءَاتٌ وإشَارَاتُ مُرُورٍ لا تَدُورُ بانْتِظَام.

**

أُمٌ

لا تُحِبُّ الشُّعَرَاءَ

ولا تَنْتَظِرُ "إليوت" آخَرَ

ليَكْتُبَ عَنْ يَبَابِهَا

لا تَطْمَئِنُ للمُؤرِّخِين؛

تَخْشَى نِسْيَانَهُم صُدُورَ صِبْيَانِهَا المُمَزَّقَة

لا تَسْتَمِعُ للخُطَبَاءِ الجَهُورِيّين؛

فَقِيهُهَا رَصِيفٌ يَزْهَدُ بِمَسَاطِبِهِ فِي اللَّيْل

لا تُصَفِقُ للسَلاطِين؛

تَكْرَهُ تَكْرَارَ نِهَايَاتِهِم غَيْرِ السَّعِيدَة

لا تُحَابِي الطَّائِرَاتِ والطَّيَّارِين

كُلُّهُم تَرَكُوا عَبَّاسَ بِنَ فِرنَاس- فِي تِمْثَالِه-

بِجَنَاحِينِ لا فُيَوضَ لَهُمَا

لا تَقْرَأُ الكَفّ؛

عَيْشُهَا الحَالِي نَفَسٌ صَاعِدٌ 

أفْزَعَهُ هَبَاءُ العَالَم.

 

..

أَبٌ

لَهُ الشَّوَارِعُ 

لَهُ الأرْبَابُ

لَهُ الأسْمَاءُ الثَّابِتَة،

لَهُ كَرَاهِياتٌ تَعَاضَدتْ عَلِيهِ للنَبْشِ فِي ظَهْرِه،

لَهُ حُكَامٌ تَلاطَمُوا حِينَما حَكَمُوا ولَم يَحْكُمُوا،

لَهُ حِكْمَةُ جَمْرَةٍ لَمْ يَطْأهَا النُّعَاس.

... 

ابْنَةٌ

ابْنَةُ سَاحَاتٍ تَسْتَرِدُ المَخْطُوفَ

مِن الأعْمَارِ والأيَّام،

ابْنَةُ أخْطَارٍ تَحُجّ إلى حُرِيّتها

كُلّما شَاخَ فِتْيَانُهَا،

ابْنَةُ الشَّوْق، ابْنَةُ الخَوْف، ابْنَةُ فِرَاقِ الغَائِبِين،

ابْنَةُ مَقْمُوعَاتٍ بِوَسْمِ العَيْبِ والمَمْنُوع،

ابْنَةُ نَهَارَاتٍ سَئِمَتْ كَآبَةَ الغُرُوب. 

....

ابْنٌ

ابْنُ الأشْلاءِ المُتَنَاثِرة فِي هَوَاءٍ فَاسِد،

ابْنُ المَغدُورِينَ مُذْ خُلِقَ الفَتْكُ عَلَى الأرْض،

ابْنُ المَنْسِيّين مُذْ تَأسَّستْ الجُمْهُورِية،

ابْنُ أَرْحَامِ النِّسْوَةِ الصَابِرَاتِ 

عَلَى رَهْبَةٍ مُتَوَقِدَةٍ كَفَانُوس.

.....

أخْتٌ

أُخْتٌ لِنَبْعٍ تَدَرَّبَ مَاؤهُ عَلَى الشَّقَاء 

إذَا مَا جَفَتْ الأنْهُرُ مِن حَوَلِه،

أخْتٌ لِقَارِئةِ كُتُب 

تَحَسَّستْ أصَابِعُها مَا لِهذه الشَّقِيقةِ 

مِنْ نَوَابِغَ غَرَّبَتْهُم أسْوَارُها،

أُخْتٌ لِمَرَاكِبَ كُلّما بُعِثَتْ أكَلَهَا الطَّوَفَان،

أُخْتٌ لِعِصَامِي بَحَثَ عَنْ وَظِيفَةٍ 

عِنْدَ كُرُوشِ الحُكُومَة،

أُخْتٌ لأسِيرٍ في نِقّالةِ مَرضى 

خَاضَ المَعَارِكَ جَمِيعَها

فوَبَّخَتْه الحَرْبُ المُقْبِلَة؛ لوَفَاتِه. 

.....

أخٌ

بلُغَةِ مُتَبَصِّر،

يَصِيَحُ فِي القَوَامِيس:

أينَ نُصَرِّفُ تَوَالِي الفِتَن؟

بِشَهِيقٍ مُتَقَطِّع،

يُنَادِي عَلَى إخْوَتِه:

أَيْنَكُم 

أنَا يُوسُفُ هَذَا الزَّمَان!

بِتَوَثُّبِ مُحَارِب،

يَسْهَرُ عَلَى بَابِ المَقْبَرَة

صَادَّاً التُرَابَ عَمَّن يُمْسِكُ بِحَيَاةٍ مُدْمَاة.

......

السِّتّةُ، وَهُمْ يَطْمُرُونَ 

مَاضِيهم البَعِيد،

ويَرْكُضُونَ نَحْوَ حَاضِرٍ أبْعَد،

عَائِلَةٌ

بَيْتُهَا عَصَفَتْ بِه القَذَائِفُ

وَرْدُ حَدِيقَتِها دَاسَتْهُ أفْخَاخُ الأسْلاف،

سِرُّهَا أفْشَتْهُ لجِيرَان مُخَادِعِين،

طِفْلُهَا الصَّغِير

نَحَّى بُكَاءَهُ الطَّوِيل،

وَرَاحَ يُفَاوِضُ باسْمِ قَصَبَتِهِ الهَوَائيّة

دُخَانَ الآلافِ مِن السَّنَوَات.

التخطيط للفنان فيصل لعيبي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

التقاليد السردية بين الأصالة والأقلمة

مقالات ذات صلة

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد
عام

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

علاء المفرجي يرى الكثير من القراء والنقاد انه كان للرواية ظهور واضح في المشهد الأدبي العراقي خلال العقود الثلاث الأخيرة، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه؟ خاصة والكثير من الشعراء دخلوا مجال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram