علاء المفرجي عام 2006 ، وفي مهرجان روتردام السينمائي الدولي، سنحت لي فرصة مشاهدة فيلم المخرج محمد الدراجي الروائي الأول (أحلام) خارج المسابقة الرسمية وفي حينها، إستاثر الفيلم باهتمام يستحقه، لأسباب كثيرة..، ثم أعيد عرضه في بغداد،
وكان لنا شرف تقديمه الى جمهور المسرح الوطني.. وقد توقفنا في أكثر من مناسبة في الحديث عنه.الأسبوع الماضي حضر الدراجي لعرض فيلمه الروائي الثاني (ابن بابل) في صالة سميرا ميس.. الذي سبق له أن شارك فيه بأكثر من مهرجان سينمائي، وآخره مهرجان برلين في دورته الأخيرة، وظفر عنه باثنتين من جوائز المهرجان..يقتفي الدراجي في (إبن بابل) خطى الفكرة نفسها في (أحلام) مع اختلاف الموضوع والمعالجة.. وتتلخص بالتوثيق البصري للأحداث التي مر بها العراق قبل وبعد سقوط الدكتاتورية. في هذا الفيلم نتابع رحلة يوليسية لعجوز كردية مع حفيدها، بحثاً عن ابنها المفقود في حروب الطاغية، تبدأ رحلتها من كردستان شمال العراق أور بابل في جنوبه، رحلة تنفتح على تاريخ وأحداث ومأساة وشخصيات أحداث الرحلة والفيلم تبتدئ بعد شهر من سقوط النظام، ومن مشهد ذي دلالة تبدو العجوز ام إبراهيم (شازاده حسين) وحفيدها، احمد (ياسر طالب) وسط ارض خلاء مترامية في كردستان يبدأون رحلتهم سيراً على الأقدام باتجاه الجنوب حيث الحديث عن سجون فتحت، ومقابر جماعية اكتشفت..أن ما يشغل الدراجي في فيلمه هو الفكرة أو بمعنى أدّق الموضوع درجة يبدو فيها وكأنه أمام مهمة عرض وثيقة عن ممارسات القمع والاضطهاد التي مارستها السلطة الفاشية بحق شعب على مدى أكثر من ثلاثة عقود.. وإن كان هذا بعضا من رسالة هذا الفن ، الا ان ذلك من شأنه ان يقود الى الوقوع في فخ المباشرة والسطحية.. ولكن هذا لا يعني ان الدراجي امتثل لحكم الوثيقة، بل انه استطاع ان يقدم حكاية إنسانية تستند الى محاور في محتواها تقديم صورة عن حدث ويحدث.. وعلى الرغم من ان سيناريو الفيلم - أسهم المخرج في كتابته- بدا قاصراً في تثوير الحدث، والبناء المحكم للشخصيات، .. حيث بدا متسرعاً في بناء الحدث، وأيضاً في الغوص في روح الشخصية، وهو السبب الذي جعل شخصيات الفيلم ملقنة من دون ان تتجلى منها بادرة استبطان روح الشخصية ومثال على ذلك الممثل يشير الماجد الذي سبق أن أدى الدور الرئيس في فيلم (أحلام)، ففي هذا الفيلم استطاع الدراجي ان يظهر قدرة أدائية مذهلة لهذا الممثل، عكس ما ظهر به في (ابن بابل) حيث لم تتجل موهبته في الأداء الذي أمتعنا به في الفيلم الأول.ومع ذلك فان الفيلم حفل بتفاصيل ذكية جاءت منسجمة مع روح الفكرة التي تدين ثقافة العنف، وتدعو إلى التسامح.. ففي رحلة الذهاب طغت روح البراءة والتلقائية على سلوك الحفيد، وهو يحمل آلة (الناي) ويحلم أن يكون عسكرياً كوالده، أو ان يزور الجنائن المعلقة في بابل، لكن سرعان ما يكتسب النضج في رحلة العودة، ليتخلى عن حلمه هذا، ويتمسك بحلم ان يكون موسيقاراً. وإصراره أمام شخصية الجندي ( يشير الماجد) في ان يتحمل وهو الطفل عبء مسؤولية البحث عن رفات والده بنفسه. مشهد آخر وهو أهم مشاهد الفيلم عندما تفترش الجدة المقبرة لتقلب رفات الضحايا بحثاً عن ولدها، بينما الحفيد يقرأ عليها أسماء الضحايا التي لا تخلوا من دلالة، وكان يمكن أن يكون ذلك عزاءً لها في أن الضحايا كلهم أبناؤها.. وهي إشارات بثها السيناريو في أكثر من مشهد في الفيلم، السائق الذي يوافق على نقلهم إلى بغداد، أو الحوار بين الجندي السابق والجدة، حول مشاركته في عمليات الأنفال السيئة الصيت.. وغيرها. تشكيل اللقطات كان الحسنة الأهم في الفيلم، كما في أحلام .. هناك عين ذكية وعدسة تتحرك بدراية. ويبقى الأهم فيما يصنعه الدراجي، هو المسعى في توثيق أحداث، ربما تمتد إلى سنوات لاحقه لتكتمل لديه ثلاثية، يحفظها تاريخ السينما العراقية له.
كلاكيت :ابن بابل.. ثلاثية الدراجي المقترحة
نشر في: 12 مايو, 2010: 06:32 م