علاء المفرجي
المخرج الذي أدهش عشاق السينما في كل مكان، ونال إعجاباً استثنائياً من أحد أساطير السينما الياباني اكيراكورا ساوا، حظي على مدى اكثر من نصف قرن من الزمن بنصيب وافر من الأبحاث والدراسات التي تناولت عوالمه السينمائية، وأثره الواضح لا في السينما الهندية حسب بل في السينما العالمية، يصنفه بعض مؤرخي ونقاد السينما من الصفوة المختارة التي أسهمت في تطور صناعة السينما في قرنها الأول.
ومع كثرة الدراسات والمقالات بحق هذا السينمائي الثوري، فإننا مع كتاب (سينما ساتياجيت راي) تكون دراسة وتحليلاً معمقاً يكتسب صدقيته وأهميته من اسم مؤلفه (تشيداناندا داس جوبت) المخرج والناقد والمؤرخ السينمائي (1921 - 2011) الذي تربطه معرفة لصيقة براي ومنجزه السينمائي.. وعلى علاقة طويلة براي حيث أسهما معاً في تأسيس جمعية كلكتا للأفلام عام 1947 وأصدر معه دورية الفيلم الهندي عام 1957.
ومن هنا يكتسب هذا الكتاب أهميته بوصفه يمثل دراسة معمقة ودقيقة لأعمال المخرج الهندي، فضلاً عن كونه دراسة شاملة لأفلامه وتفاصيل عن صناعتها.. بدءاً من فيلمه الشهير (أغنية الطريق) وانتهاء بفيلمه الأخير "اجانتوك" بتناول نقدي معمق.
ولعل أهم ما في الكتاب أنه يسلط الضوء على ساتياجيت راي مؤرخاً جمالياً لتاريخ الهند المعاصر فمن النادر أن تؤرخ أعمال مخرج سينمائي لعملية التغيير الاجتماعي في بلد ما على مدى فترة طويلة من الزمن مثل ما فعلته أعمال ساتياجيت راي فقد "سجلت مواضيع أفلامه إحداث التغيير الاجتماعي في الهند لأكثر من مئة وخمسين عاماً".
هنا يقف المؤلف عند أحداث فيلم (ديفي Devi) أو الإلهة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، في حين تدور أحداث فيلم (لاعبا الشطرنج) في خمسينيات القرن نفسه.. وهكذا مع أفلامه الأخرى وصولاً إلى ثلاثية (آبو) عن السنوات الأولى من القرن العشرين.
الكتاب مع الإسهاب في التناول النقدي لجُل أعمال راي، فأنه يؤرخ لسيرة هذا المخرج الكبير من خلال أعمال، ففي فصل "ما قبل أغنية الطريق" نتعرف على السيرة الشخصية لراي قبل إنجاز فيلمه الذي يعد أحد كلاسيكيات السينما الهندية والعالمية.. فقد كان اهتمام راي قبل ولوجه السينما من بوابة (أغنية على الطريق) قد أسس مع آخرين بمن فيهم مؤلف الكتاب نفسه "جمعية كلكتا للسينما" وكتب مقالات عن مشاكل السينما الهندية وما ينبغي أن تكون عليه وقضى أيامه في دراسة أفلام هوليوود، حيث يكاد يكون هذا النوع الوحيد من الأفلام الذي كان بإمكانه أن يشاهده قبل الاستقلال.. وقال فيما بعد أنه "تعلم صناعة الأفلام من خلال مشاهدته الافلام الأميركية" فأسلوب السرد المنطقي والواقعي (ظاهرياً على الأقل) الخاص بهوليوود ترك انطباعاً عميقاً لديه.
ويقف مؤلف الكتاب عن ملحمة راي الخالدة (ثلاثية آبو) التي يرى فيها.. الاكثر انتماء للهند متدفقة بحرية في شكلها، وأقل أعداداً وأكثر عفوية.. لكنه –أي المؤلف- يرى أن هذا ليس مصدره راي مباشرة ولكن كاتب العمل (بيبهوتي بانديو بادياي) من خلال نوعية مثاليته وتأمله الروحي اللذين يهمشان الشر ويجلبان الخير.
عدا عن ذلك فإن المؤلف يعمد الى بيان أثر تطور وعي ساتياجيت راي على مجمل منجزه السينمائي الذي بات واضحاً في كل المراحل التي مرت بها حياته حتى نهايتها عام 1992.