TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلام ابيض: فن التسول

كلام ابيض: فن التسول

نشر في: 12 مايو, 2010: 06:47 م

كريم محمد حسين ظاهرة التسول قديمة وقابلة للتجديد مثلها مثل المهن الأخرى أو الطباع والسلوكيات اليومية المنصهرة في المجتمعات وتمر بمراحل فتارة تختفي وتارة تنتشر مع إضافة لمسات إبداعية في فن التسول خصوصا بعد أن غادر المتسول لفضة مذلة السؤال عندما يتطرق الحديث عن الحياء والكرامة الإنسانية،فاغلب المتسولين الآن هم ليس بالضرورة من المحتاجين
 إنما عملية كسب وابتزاز تحمل صورا شتى فمنهم يصنعون العاهات ومنهم يستدرج ضحاياه البسطاء عن الاسترحام ومن يروم المغفرة من الناس واللوذ بالأنبياء والأولياء والأئمة فترى الناس تندفع باللاشعور وتعطي هذا السائل الذي هو صحيح الجسم والبنية بينما ترى المحسن هو المريض والمتعب،والتسول يأخذ أبعادا وأشكالا عدة حتى صار اقرب إلى مؤسسة لها إتباع ومريدين ولديهم مكان للتجمع في مقهى أو مطعم مثلهم مثل الصحفيين والأدباء والمحامين والأطباء ويحملون تصورات ورؤية مستقبلية مستفيضة وواضحة كونهم يعرفون تفاصيل المجتمع ومتغيراته ويحللونها ببراعة وحس ويعتمدون في ذلك بحواسهم المتعددة وهم الادرى في قراءة الوجوه والأشكال والأفكار لأنهم يخوضون بحر الشارع بكل دقائقه فترى انتشارهم في المناسبات والأفراح والأحزان والمصائب بل يتوسدون القبور ويحسبون لكل شاردة وواردة ففي حالة موت تحدث ترى المتسولين يتبعون الجنازة إلى قبرها عندها يعرفون تاريخ الوفاة ثم ينتظرون أربعين المتوفى وهكذا تحسب الأمور وتجزل العطايا لهم في هذه الأيام، إنها ظاهرة معيبة ومخجلة ولايمكن معالجتها كونها تعدت حدود الحاجة والعوز وأصبحت مهنة تدر مالا وفيرا يعادل راتب أربعة موظفين بدرجة مدير فكيف يترك المتسول هذا العطاء وينتظر راتب الرعاية الاجتماعية، وهنا لابد من إنصاف الحكومة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية وشبكة الحماية الاجتماعية التي نعتقد بان هذه المؤسسات قد قدمت الكثير وشملت شرائح كثيرة من المجتمع وكفلت الكثير واحتوت ورعت وغطت الملايين الذين يذهبون شهريا إلى منافذ توزيع الإعانات والرواتب وهكذا تبقى عملية دفع هذه الأموال على مدار أيام الأسبوع ناهيك عن المساعدات الأخرى التي تأتي عن طريق رجال أعمال ومحسنين،إذا لماذا بقيت ظاهرة التسول عالقة في مجتمعنا ولا اعتقد الأمر مرتهن بعوامل مثل البطالة أو الوضع الاقتصادي إنما الأمر متعلق بالكرامة المفقودة لأغلب المتسولين والحياء المفقود حتى صار يشبه السلوك المنحرف عند البعض ولا تأتي المعالجات إلا بتفعيل قوانين وأحكام رادعة لهؤلاء الذين باتوا يهددون المجتمع ويقتلون الطفولة عندما يسخرونها لمصالحهم وكأنهم ذئاب تتربص بضحاياها فلا لوم على مؤسسة ولا حكومة ولا وضع اقتصادي أو اجتماعي فاللوم كل اللوم على تعطيل العمل بالأحكام لمثل هذه الظواهر التي تشبه الجرائم وفي أحيان كثيرة تكون هي الجرائم بعينها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram