علي حسين
وأنا أنظر إلى صورة الكاتب الكبير ومعلم الدراما العراقية عادل كاظم وهو على فراش المرض، تذكرت هذا الكاتب والفنان عندما كان اسمه، ملء السمع والبصر، وأيام كانت فيها تخوم دولته الإبداعية تمتد إلى كل أطياف وألوان الفن العراقي، فهو الكاتب المسرحي الأول الذي أبهرت أعماله جمهور المهرجانات العربية،
وهو المؤلف التلفزيوني الذي كانت أعماله مثل "الذئب وعيون المدينة" تجعل شوارع بغداد مقفرة، وهو الصحافي والممثل والشاعر وكاتب القصة القصيرة المبتسم دومًا، كانت السياسة سببًا في عشقه للأدب والكتابة للمسرح، يساري الهوى والفعل والكلمات.
كان صاحب المتنبي ومقامات أبي الورد ولايزال واحدًا من الذين ساهموا بجدية في حياتنا الثقافية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات . ولأنه من جيل الرواد في المسرح العراقي، أولئك الذين حلموا بتأسيس المسرح كجزء من تغيير المجتمع وإعادة تشكيل الواقع،.
عادل كاظم الذي تخرج من الدورات الأولى لأكاديمية الفنون الجميلة، فتن منذ شبابه بالعمل السياسي، فهو من عائلة يسارية الهوى والمبدأ، وأدركته حرفة الأدب والفن من ناحية أخرى، فأجهض بذلك حلم أبيه الموظف المستنير الذي حاول أن يقنع ابنه أن يكمل تعليمه في الحقوق ليتخرج محاميًا يدافع عن البسطاء، لكن عادل كاظم الفتى القادم من البصرة كان قد اكتشف القانون الذي يوحد بين الإنسان والوطن ويحمي المجتمع من الانتهازية والغش والسرقة والطائفية والاستبداد، من خلال أعمال مسرحية وتلفزيونية حافلة بالأفكار العميقة الحية التي قالت لنا جميعًا ما هو الصح وأين يكمن الخطأ.
صاحب الابتسامة التي لا تغيب.. بدأ مشواره العملي في الكتابة منذ أن كان طالبًا في أكاديمية الفنون الجميلة، فذات يوم دخل عبقري المسرح العراقي إبراهيم جلال إلى قاعة الدرس، يبحث عن طالب اسمه عادل كاظم، أعطى أحد نصوصه إلى الاستاذ جعفر السعدي، فتشاء الصدف أن يقرأ النص إبراهيم جلال الذي قرر أن يقدمه للمسرح، فكانت البداية مع "الطوفان"، التي برزت من خلالها موهبته في الكتابة المسرحية ، ليقدم بعد ذلك اروع الاعمال ، تموز يقرع الناقوس ، عقدة حمار ، ، الحصار، المتنبي، نديمكم هذا المساء، مقامات أبي الورد، المومياء، وليتفرغ لكتابة السيناريو التلفزيوني، وكانت الذئب والنسر وعيون المدينة، أروع وأنجح ما قدمته الدراما العراقية ، لتتوالى بعدها الاعمال الكبيرة ، الايام العصيبة ، حكايالت المدن الثلاث .
عادل كاظم طريح الفراش اليوم، وهو يعاني من إهمال الحكومة مرتين، الأولى، عندما لم تكلف وزارة الثقافة نفسها بالسؤال عن رجل الدراما الأول في العراق ، والثانية بإهمال إعادة طبع أعماله المسرحية، وهو إهمال أقرب إلى الاغتيال المعنوي .