إياد الصالحي
ما أجملهُ من موقف في الذكرى والعِبرة، قبل ثلاثة عشر عامًا، زفّ الحكم الاسترالي مارك شيلد أسود الرافدين أبطالًا لآسيا في ملحمة (غيلورا بونغ كارنو) بجاكرتا 29 تموز عام 2007 ولحظتها صرخ العراقيون بصوت واحد كفى قتلًا وسيلًا للدماء إكرامًا لدموع رفاق يونس محمود في غمرة فرحهم بانتصار قارّي استقتلوا فيه من أجل حماية وطننا من الضياع،
وبعد ثلاثة عشر عامًا يخرج يونس مصارحًا الزميل طه ابو رغيف في (صوت الملاعب) ليلة المناسبة ذاتها (كفى احتقانًا بعلاقاتنا.. لنتماسك بلعبتنا كي نحافظ عليها) كأني به يقول مع اختلاف الزمنين 2007 و2020 أن كل التضحيات تهون أمام مهابة فوز كبيرنا العراق بشجاعة أبنائه في ملعبي الكرة والإدارة.
هكذا التجارب مدارس، تُعلّم الانسان معنى التخلّي عن أنانيته إذا ما تعرّضت المصلحة العليا للضرر، ويونس محمود (استاذ فن الكرة) لم يكن طالب فلسفة بقدر سعيه الجاد لإكمال تعليمه، لكن صوته في ستوديو ابو رغيف أسمَع الجميع مؤيّدًا ومعارضًا، أن دعمه لتغيير نهج اتحاد الكرة ليس شُبهة ناجمة عن تبعيته لأفكار الكابتن عدنان درجال كونه اصطفّ معه سابقًا في محكمة كاس، بل إيمانًا منه بأن المناصب ينبغي أن تُسهم في تفعيل دور الاتحاد للتماهي مع واجباته الرئيسية، وأن لا تقتصر الانتخابات على استبدال شخوص بآخرين وهكذا دواليك تُهدر خلالها مليارات الحكومة ومثلها مُنَح الاتحادين الدولي والآسيوي على الرواتب والمستشارين في مشاريع خاسرة!
لعلّ المتغيّر الأهم في ثقافة (السفاح) لترجمة طموحه الرئاسي في قيادة نادي الطلبة واتحاد كرة القدم بدعم جماهيري منقطع النظير الى واقع وأجندة وسيناريوهات محلية ودولية، أنه تخلّى عنها جميعًا وراح يؤكد إما أن أكون في التشكيلة الاتحادية المقبلة كأي عضو أو أبقى في بيتي! وسواء تولّدت قناعته هذه تحت تأثير شرط الشهادة الجامعية أو قلّة الخبرة الإدارية أو رغبته في ولوج ميدان آخر يمكن من خلاله فرض اسمه الإداري وليس النجم المشهور أملا بنجاحه مستقبلا في وضع كرتنا على الطريق المؤدّي الى محطّات الانجاز بعد انقلابها غير مرّة وفشل وصولها الى الأهداف النهائية.
وفي معرض الحديث عن الشهادة وأهمية تواجد نخبة من الأكفاء في الدورة الانتخابية المقبلة لاتحاد الكرة بدلا من بعض الوجوه السابقة التي كانت ملأت شاشة التلفاز زعيقا ولم تفقه من عِلم الإدارة غير الوعيد لكل من يختلف في الرأي معها، أن الكابتن عدنان درجال لم يضع تقييمًا مُجاملًا لمن يستهويه الترشيح للاتحاد بمن فيهم يونس محمود - أبرز المطالبين باستقالة مجلس إدارة عبد الخالق مسعود- وهذا ما تجلّى في 23 كانون الأول عام 2017 حيث كان الكابتن كعادته يستقرئ واقع الرياضة العراقية عن بُعد من مستقرّه العائلي في العاصمة القطرية الدوحة، وتجاذبت في إحدى مكالماته المطوّلة عن أبرز نقاط الإصلاح في منظومة الرياضة، وعرّجنا على واحدة منها عندما سألته هل ترى موافقة لجنة الشباب والرياضة البرلمانية على منح الرياضي البطل الاستثناء من شرط الشهادة أمرًا منصفًا بالرغم من أن الاستثناء ليس مطلقًا، بل محدّدًا بحصول الرياضي على إنجازات قارية محصورة بالمراكز الأربعة الأولى؟ فأجاب، لا علاقة للإنجازات بالعمل الإداري مهما كانت غالية، فنجاح الرياضي في مشواره كلاعب لا يعني امتلاكه الحصانة من الفشل حينما يتسنّم منصبًا إداريًا، وهنا أناشد مجلس النواب بعدم الموافقة على استثناء أي رياضي من شرط الشهادة، وعليه أن ينظر لمصلحة البلد العليا ولا يترك نافذة ضيّقة تتيح الفرصة لمن لم يتسلّح دراسيًا ويفتقر للحد الأدنى من الخبرة الإدارية بمدة خمس سنوات أن يلجَ منها، ويعتلي قمّة المسؤولية في جميع المناصب، فالبلدان لا تُبنى بالمجاملات!
وكان لا بدّ في خضم قناعة درجال هذه بأهمية الشهادة للمرحلة الراهنة التي تمرّ بها الرياضة العراقية، أن استطلِع رأيه بخصوص مدى أحقية الكابتن يونس محمود في الترشيح لرئاسة نادي الطلبة ومن بعدها اتحاد كرة القدم إذا ما جرى تعديل شرط الشهادة وفقًا لما يتطلّع، فأكد درجال أنه من حق يونس وأي رياضي آخر أن يتبوّأ المنصب الذي يتواءم مع تطلّعاته، لكن قرار يونس بالتوجّه الى قمّة المسؤولية ورئاسة واحد من أكبر أندية العراق أجده قرارًا مستعجلًا وغير صائب، فمن الضروري أن يتدرّج ضمن المناصب الإدارية للنادي كي لا يقع بأخطاء كبيرة وربما مُكلفة، ونصيحتي له أن لا يتورّط في مشروعه الانتخابي نحو الرئاسة، بل يُكمل تعليمه الدراسي ويزداد خبرة في السنين الأولى من العمل.
انتهت نصيحة عدنان لأخيه الأصغر يونس وكلاهما يدركان أن الانتخابات ماكِرة، وسبق أن أفسدت مشاريع جادّة للخلاص من سطوة طُمَعَاءُ المناصب، ومع ذلك تبقى محاولة الوصول الى هدفٍ ما أسمى شرفًا ونزاهة من الاستحواذ على الهدف نفسه بتوطِئة فاسدة!