صدر عن دار الرافدين للنشر والتوزيع، كتاب جديد للشاعر علي محمود خضيّر، بعنوان "كتاب باذبين"، بواقع (104) صفحات من القطع المتوسط.
يضم الكتاب نصوصًا تجمع الشعر مع السرد في إطار فني يفتح الحدود بين الأجناس الأدبية، ويستثمر السيرة الشخصية وجماليات المكان والروي التاريخي، لتدوين نصوص تروي سيرة شخصيّة لمدينة هي قضاء علي الغربي في محافظة ميسان، كان الشاعر قد قضى فيها طفولته.
وأثار صدور "كتاب باذبين" ردود أفعال في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصف القاص محمد خضير الكتاب بأنه "نقلة كبيرة في مربع عالم الشاعر. وتجربة واعية تضاف إلى تجارب شعرائنا الشباب"، فيما كتب الشاعر أحمد عبد الحسين: "فرحتُ للفرح الذي تشعر به اللغة في كتاب عليّ، واحتفلت مع عافية الخيال فيه، قرأته وأنا أتنعّم برؤية صديقي الشاعر الذي ينتصر لمدينة صغرى انتصاره لصوته الخاص، ولطريقةٍ في الكتابة أحبها. أطلق عليّ الشعر في غير مظانّه ليختبر قدرتنا على الإمساك به"، من جانبه كتب الشاعر علي عبد الأمير عجام: "يستحق الشاعر المثابر علي كل محبة وثناء لصدقه العالي ونبرته المختلفة وعيًا ولغة"..
ويلقي الكتاب عبر نصوصه، الضوء على طبيعة حياة المدن ذات الحيز المحدود، والبنية البكر والخالية من مظاهر الحياة الحديثة والمعقدة، ويرى المؤلف أن هذه المدن ظلّت بعيدة عن مدونات الأدب في مقابل اهتمام واسع بالحواضر الكبرى. يكتب الشاعر في مقدّمة العمل: "يسمح الحيز الصغير والذي لا يتسع لشخصيات كثيرة وتاريخ معقد، لصوت الشاعر المفرد، أن يظهر صافيًا وجوهريًا، على النقيض من المدن الكبيرة، حيث تشتبك الألسن وتطيش الرغبات وتتعقد النوازع. فيبهت الصّوت بين غابات أصواتها المتداخلة، وتنكفئ القصّة في اضطراب تاريخها الملتبس وتداخل المؤثرات التي تفرضها طبيعة السعة".
وتشكل مضامين النصوص مناسبة حيوية لمقاربة الأدب من قضايا وتاريخ البيئة العراقية الغنية، واقعًا معيشًا أو تنوعًا جغرافيًا، والتي تحتاج جهودا كثيرة لإبراز جمالياتها. هذا ما نطالعه في النصوص التي قاربت موضوعات واقع المرأة في المزارع والبيوت، تأثير الحرب والحصار، موجة التسفيرات، الكوارث والسيول، حياة الغجر الرّحل، أو أصحاب الحرف والمهن، فضلًا عن تصوير التنوع البيئي والجغرافي ومظاهر الحياة في القرى البعيدة، كما أن الكتاب تابع شخوصًا شكّلوا علامات فارقة في تاريخ المدينة على مرّ مراحلها، كمحمد مهدي الجواهري وقحطان العطّار وغيرهما، والذين وردوا في حكايات ونصوص الكتاب، مع طيف واسع من القصص والأساطير والتراث الحكائي لطبقات متنوّعة من المجتمع العراقي في تلك الأرجاء.
يذكر أن "باذبين" هو الاسم القديم للمدينة، وتعني "تل البيادر"، فيما كان القضاء يسمى بـ"المنصورة" أيام العصر العباسي، ليستقر لاحقًا على اسم علي الغربي.
من أجواء الكتاب نقرأ: "البابُ رجاءٌ، أزرارُ قُمصَانِ المحلات، تفصيلٌ من عقلِ صاحبها. البابُ سؤالٌ، سِتارُ خالاتي حِينَ يَطَّفلنَ على المارّة، اسمٌ ثانٍ للشّغف ولونه كحلُ الدّرابين. بين بابٍ يُطرَق وفَرْدٍ ينهضُ من داخل البيتِ ليفتح يمرُّ عُمرٌ بأكمله. كلُّ طارقٍ شريكٌ، نجمةٌ في ليل العائلة. كُلُّ خطوةٍ خارجَ البابِ قادمة لنا ولو بعد حين.
في محلةِ القلعة، أبواب الخشَب ممهورة بأرقامٍ ورموز لا تكاد ترى كأن الزمن خدشَ كبرياءها. يفتحها النّهار، يغلقها الليل، في باذبين الأبواب من دون أقفال ومفاتيح".