علاء المفرجي
رحل عن عالمنا اول امس الناقد والاكاديمي د. نجم عبد الله كاظم لاصابته بسكتة دماغية وبعد غيبوية استمرت لاكثـر من خمسين يوما.
والراحل اسم له حضور فاعل في المشهد الثقافي العراقي والعربي، وقد عد رحيله خسارة حقيقية للثقافة العراقية والعربية. والراحل يحمل شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة إكستر في بريطانيا عام 1984.
وعمل أستاذًا في جامعات العراق وليبيا والأردن وسلطنة عمان وأستاذًا زائرًا في جامعة إكستر. وهو أستاذ النقد والأدب المقارن والحديث في كلية الآداب بجامعة بغداد. معنيٌّ بموضوعة (الآخر) في الأدب العربي الحديث. من مؤلفاته: "الآخر في الشعر العربي الحديث" الحاصل على جائزة كانو في البحرين، و"أيقونات الوهم.. الناقد العربي وإشكاليات النقد الحديث"، و"الرواية العربية والآخر"، و"الرواية في العراق وتأثير الرواية الأمريكية فيها"، و"مشكلة الحوار في الرواية العربية" الحاصل على جائزة راشد بن حُميد في الإمارات العربية، و"نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة" الحائز على جائزة مؤسسة الفكر العربي للإبداع الأدبي في لبنان، و"رواية الفتيان، خصوصية الفن والموضوعات" الحائز على جائزة خليفة التربوية في الإمارات العربية، لسنة 2015، و"فهرست الرواية العراقية 1919-2014".
ولد الدكتور نجم عبد الله كاظم عام 1951 في بلدة بهرز من محافظة ديالى بالعراق عام 1951. ومع أنه ينحدر من عائلة فلاحية، فإن بيئة بهرز، كما هو معروف للكثير من مثقفي ديالى، كانت بيئة ثقافية يشكل الكتاب فيها جزءًا من هوية الشباب، كما كان أبوه عبد الله كاظم مصدرًا لتعلّمه وتشكل وعيه المبكر. وفي بهرز أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة، أما المرحلة الثانوية فأكملها في بعقوبة عاصمة المحافظة التي تقع على بعد ستين كيلومترًا من بغداد، ومنها انتقل إلى العاصمة نهاية عام 1969 ليكمل دراسته للغة العربية وآدابها في كلية الآداب بجامعة بغداد. ومنها حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها عام 1973، ثم حصل على الدبلوم العالي في التربية وطرق التدريس من كلية التربية في الجامعة نفسها عام 1974.
في العام 1980 تزوج من الروائية العراقية المعروفة ميسلون هادي، وحصل على إجازة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه، فسافرا إلى مدينة إكستر ببريطانيا، وهناك انتسب إلى قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أكستر.
عاد بعدها إلى الوطن، وبدأ عمله محاضرًا في جامعتي بغداد والمستنصرية، فأستاذًا في كلية الآداب بجامعة بغداد. في عام 1997، غادر العراق ليرتبط بعقد مع جامعة (عمر المختار) في ليبيا التي قضى فيها سنة دراسية واحدة، ثم انتقل بعدها إلى الأردن وقضّى فيه ثلاث سنوات أستاذًا في جامعة (مؤتة) فجامعة (الحسين بن طلال)، ثم إلى سلطنة عُمان عام 2001، ليقضي فيها أيضًا ثلاث سنوات أستاذًا في كلية التربية بصحار. عاد إلى الوطن عام 2004 ليلتحق من جديد بكليته نفسها، الآداب بجامعة بغداد.
بدأ مسيرة الكتابة في كتابة المقالات الأدبية والنقدية والقصص القصيرة ونشْرِها في مجلات وصحف مختلفة. ومع أنه نشر بعض المقالات والدراسات المهمة والتأسيسية له نهاية السبعينيات، فإنه يُعدّ بدايته الحقيقية والجادة، ولاسيما من ناحية الخصائص الأكاديمية، كانت بعد نيله شهادة الدكتوراه عام 1984 وعودته إلى العراق. فإلى جانب نشره أول كتابين له وهما: "التجربة الروائية في العراق" عام 1986، و"الرواية في العراق 1965-1980 وتأثير الرواية الأمريكية فيها" عام 1987، الذي هو ترجمة اطروحة الدكتوراه المكتوبة أصلًا باللغة الإنكليزية، أخذ ينشر البحوث العلمية والدراسات والبحوث الأخرى والمقالات المختلفة في المجلات والصحف العراقية غالبًا، ومنها: آفاق عربية، والأقلام، والطليعة الأدبية، والثورة، والجمهورية، والقادسية، والثقافة الأجنبية؛ وبعض الدوريات العربية مثل: الدستور، والرأي، وأفكار، وأخبار الأدب، والموقف الأدبي.
خلال دراسته الجامعية، وما بعدها، تأثر الناقد بمجموعة من الأساتذة، منهم: د. فاضل السامرائي، ود. خديجة الحديثي، ود. ابتسام مرهون الصفار، ود. صلاح خالص، والأهم والأكثر تأثيرًا في تخصصاته الأكاديمية: د. نوري القيسي، ود. عبد الإله أحمد، ثم د. علي جواد الطاهر، الذي سمّاه في إهداء كتابه الأول له معلمه الثاني، بعد أن كان قد أهدى كتابه الأول إلى والده الذي سماه معلمه الأول. ومع شمول تخصصات الدكتور نجم عبد الله كاظم واهتماماته، تأليفًا وكتابةً وتدريسًا ومحاضرات، جميع ميادين الأدب والنقد الحديثين والمعاصرين، فإنها تركزت، لاسيما في العقدين الأخيرين على مجالات الأدب المقارن والدراسات الأدبية المقارنة. والرواية نقدًا ودراسةً، ومعها رواية الفتيان أو الناشئة.
نال العديد من الجوائز الادبية العراقية والعربية، وترك دراسات ومؤلفات في النقد الادبي والفهرسة، قاربت الثلاثين مؤلفًا، منها:
فهرست الرواية العراقية 1919-2014، نحن والآخر في الرواية العربية، ملامح التأثير الغربي في الأدب العربي الحديث، الآخر في الشعر العربي الحديث.. تمثُّل وتوظيف وتأثير، هذا الجانب من مكان صاخب.. الجوهر المتكرر في الرواية العربية... وغيرها.
وقد رثاه عدد من الادباء العراقيين والعرب في مواقع التواصل الاجتماعي حال سماع نبأ وفاته، فقد كتب الدكتور حسن ناظم وزير الثقافة على صفحتة في موقع التواصل الاجتماعي " فيسبوك": "رحم الله صديقي الكاتب د. نجم عبد الله كاظم.. أعمال د. نجم في الرواية العراقية والعربية أعمال جادة وقيّمة، وستبقى مصادر مهمة للباحثين".
فيما قدم وزير التعليم العالي الدكتور د. نبيل كاظم عبد الصاحب تعازيه الى الاسرة الجامعية والأكاديمية والثقافية برحيل أستاذ الأدب المقارن الدكتور نجم كاظم عبد الله بعد مرض مفاجئ لم يمهله طويلا، وبهذه المناسبة الحزينة التي فقدنا فيها باحثًا وأستاذًا متمرسًا في جامعة بغداد سطر في أثناء خدمته الجامعية وبعدها عشرات التصانيف في مجال الأدب والنقد والسرد وحقق اشتغالًا ثقافيًا نال على إثره العديد من الجوائز العربية والعراقية.
زوجته القاصة والروائية ميسلون هادي كتبت كلمات مؤثرة: "لن أضع الشريط الأسود على صورتك، لأن قوس قزح من خلفك قد رسم خطًا للحياة.. ولو يعتذر الموت مليون مرة عما حدث، فلن يجبر قهرتي عليك".
خالد السيد مدير الشؤون الثقافية والفعاليات– كتارا، المدير المسؤول عن دار كتارا للنشر كتب: كم انا حزين اليوم على وطن، والدكتور نجم هو الوطن. هو الموت وحده الحقيقة التي لايمكن تجاوزها. الصديق الذي أوجع قلبي وأحزنني، صدمني ذاك الخبر الذي هزّ روحي، كيف لقلبي أن يحتمل موت الناقد الكبير الدكتور نجم عبد الله كاظم الذي له بصمات في حياة الرواية التي نسعى لها، هو الحزن وحده يجعلنا نصمت حين يأتي القدر، رحمه الله وغفر له. الدكتور نجم، يرحل صامتا دون أي ثورة لأنه كبير جدا ويحب أن يرحل دون أن يزعج أحد. نسأل الله الصبر لأهله وزوجته الروائية ميسلون واولاده... رحمه الله، وصبرنا على ذاك الفقدان الكبير.
وكتب الروائي عبد الستار البيضاني تحت عنوان نجم.. النجم الذي شع في سماء الروح: فقدت الاوساط الثقافية والاكاديمية العراقية والعربية يوم امس أحد أهم رموزها المخلصين هو الناقد الدكتور نجم عبد الله كاظم بعد صراع مرير مع المرض. وفقدت أنا شخصيًا أخًا وصديقًا نادرًا جدًا، وأقول ( نادر) ليس تحت تأثير شعور الفقدان، وإنما عن معايشة عن قرب.
تعرفت على فقيدنا الدكتور نجم في العام 1985 عندما كان يعمل في مديرية التأليف والترجمة والنشر في وزارة الثقافة وهو العام نفسه الذي تعرفت فيه على زوجته الصديقة الروائية ميسلون هادي، وكانا قد عادا توا من بريطانيا بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة أكسترا، وتعمقت علاقتنا بعد أن عملنا انا وميسلون في مجلة (الف باء) وصارت علاقة عائلية حميمة تعززت بالمواقف واللمسات الانسانية العظيمة.
وطوال هذه السنوات كان نجم يعزز في داخلي صورة الانسان ورب الأسرة والمبدع المخلص النبيل الذي لم اصادف مثله في حياتي وانا الذي اقتربت منه كثيرا في مختلف الظروف والاحوال، فبالقدر الذي احاط فيه حياته بالجدية والانتاج الثقافي المتواصل تمتع بروح مرحة ونبل إنساني تمازجت فيه طيبة الريف التي حملها معه من عائلته الكريمة في بهرز والسلوك الحضاري الذي انعكس على طباعه من تجربته الثرة في العواصم العربية والاجنبية.
ومثلما كان الفقيد مخلصا لعائلته، كان مخلصا لمشروعه الثقافي، وعندما أقول (مشروعه) فأنني اعنيها، فنجم عبد الله كاظم لم يكن ناقدا أو باحثا تقليديا، وإنما كان صاحب مشروع نقدي وبحثي كبير لخدمة النقد والسرد العراقيين، متمثلا بارشفة النتاج الروائي والقصصي العراقي والذي وجدت فيه امتدادا للمشروع الذي بدأ به استاذه الراحل الدكتور عبد الآله أحمد. وبقي حريصا على اتمام مشروعه هذا بالرغم من تقلبات الحياة العراقية منذ الثمانينيات وحتى الآن، اتذكر في سنوات الحصار كنت في زيارة الى بيتهم وكنا نتحدث أنا وميسلون عن اشتداد قبضة الحصار على رقابنا، دعاني هو للاطلاع على مشروعه حيث خصص غرفة كاملة من بيته زودها بعدد كبير من الرفوف والخزانات الحديدية صفت على نحو حول الغرفة الى ممرات ضيقة تشاهد على جانبيها مئات او آلاف الاعمال السردية العراقية، وكان يحدثني بسعادة عن انه سينهي قريبا ارشفة جميع النتاجات القصصية والروائية العراقية.
وقالت الاكاديمية د. سعاد العنزي: خبر صادم رحيل الدكتور العراقي نجم عبد الله كاظم، تعاملت مع هذا الانسان الأصيل في أكثر من شأن وكان من القلائل الذين يلتزمون بمادئهم وقناعاتهم. خبر محزن. الله يرحمه ويلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
فيما كتب الدكتور عقيل عبد الحسين مقالا بعنوان "الدكتور نجم البغدادي" جاء فيه: دكتور نجم عبد الله ظاهرة أكاديمية عربية عراقية، فهو تاريخي النهج، ينتمي بالتلمذة إلى أبرز رموز الاتجاه التاريخي العراقي في الدراسة الأدبية، وهو الدكتور عبد الإله احمد. وقد يفوقه في تمسكه بحرفية المنهج التاريخي في الفهرسة، فهو يثبت معلومات الرواية من دون عناية بمحتواها وقيمتها الفنية. ويظهر أن البعد العراقي البغدادي في شخصية الدكتور نجم أهدى إليه الطبع الهادئ الحذر في التقييم والحكم، والميل إلى المتابعة التاريخية للظواهر والأعمال الأدبية، وجعله يضيف إلى المدرسة التاريخية في نقد الأدب عندنا، وهي مدرسة مصرية أصولها عند جرجي زيدان وتمامها عند شوقي ضيف، سمة الاستقصاء، ويجردها، إلى حد بعيد، من صرامة الحكم الذي امتازت به، وظهر عند نقاد مثل زكي مبارك ومحمد أحمد خلف الله وغيرهم، فجعلها تغفل أعمالا كثيرة، وجعل النقد يتحكم بالتاريخ وبالفن، ويقلل من احتمالات تطور الأدب.
جميع التعليقات 1
هناء عبدالله كاظم
اخي الحبيب كنتَ اقرب شخص لي و مَثَلي في الحياة ، كيف ستكون الحياة وما قيمة العيش من بعدك ، منذ سبعة ايام وانا استيقظ من نومي وكلي امل ان يكون رحيلك كابوساً سأصحو منه ولكن ....