ستار كاووش
يقولون خير الكلام ما قل ودل، وهذا ما يشكل لي الآن محنة، بسبب صعوبة الاحاطة بما اريد قوله في هذه السطور القليلة. وبما ان الموضوع يتعلق بأستاذتنا الاستثنائية لطفية الدليمي، لذا ليس من السهل اختصار الكلام وايجاز العبارات التي يمكن أن تفيها حقها علينا وعلى ثقافتنا وابداعنا.
قليلة هي الشخصيات التي بهرتني كما فعلت صاحبة سيدات زحل، وكثيرًا ما فكرتُ بيديها السخيتين، وقد تحولتا الى سبعِ أيادٍ تمنحنا ابداعات مختلفة، وكأنها إيقونة مقدسة تَمَثَّلَتْ الرقم سبعة الذي يشير الى الكمال في الكثير من الحضارات والثقافات القديمة. فهي تمنحنا رواياتها الرائعة بيد، وبيد اخرى تزودنا بقصصها القصيرة، أما ترجماتها المذهلة فتهبنا اياها بيدها الثالثة، وفي الرابعة تضع بين أيدينا مقالاتها المهمة، أما يدها الخامسة فترفدنا من خلالها بعمودها الاسبوعي الذي يمدنا بطاقة ايجابية للمضي في هذا العالم، بينما تبسط يدها السادسة نحو آخر تطورات العلم الذي تهتم به بشكل يوازي اهتمامها بالأدب، إضافة الى كل ذلك تفرش لنا استاذتنا يد سابعة مليئة بورد الأمل ومحبة الانسان وروح التفاؤل وفطنة الأم التي تعطي وتمنح وتهدي بسخاء (وتضيء العتمة) دون النظر لجائزة عابرة أو سلطان واهم، ولسان حالها يقول ان الأيدي لم تُخلَق للتصفيق، بل لترك أثر جميل في هذا العالم.
يَدَّعي الكثيرون ان ممارسة إبداعات مختلفة، غالبًا يأكل من جرفها جميعًا ويؤثر على قيمتها، لكن هذه النظرية سرعان ما تصبح مدعاة للشك حين تغمرها مياه هذه المرأة الجميلة التي أثبتت ان غزارة الابداع دليل على خصوبة أكيدة. فهي أرض خصبة صالحة لزراعة مختلف الابداعات، تربتها تشبه تربة العراق التي جُبِلَتْ منها، وهي شجرة متعددة الثمار، وارفة الظلال وجميلة المنظر، تمنح بستان حياتنا الكثير من العطر والعذوبة والحضور المحبب للنفس.
لم اتعلم في حياتي بشكل باهر سوى من شخصيتين، هما بيكاسو الذي عرفتُ وفهمتُ من خلال أعماله وعبقريته، كيف أجعل الرسم فرديًا ويعكس شخصيتي وكأنه كتاب مذكراتي الذي تغفو عليه أيامي، وطفولتي التي استعيدها على سطوح هذه القماشات الملونة، والشخصية الثانية هي لطفية الدليمي التي علمتني ان اليد التي ترسم الجمال يمكن ان تكتب حين تتوفر على الحساسية المناسبة وروح التطلع والمطاولة في المحاولات التي لا تتوقف. هذه المرأة علمتني كيف أصيغ عباراتي وانا اتابع كتاباتها بلهفة. لهفة احاول ان لا اجعلها بادية على ملامحي، ليس ترفعًا بل انسيابًا وإنغمارًا في ذروة التعلم والمطاولة في الفهم. هي صديقتي وأستاذتي وإحدى نخلات العراق، امرأة من ذهب وعطر، وكتبها هي الشاهد وهي النتيجة.
أتذكرُ حين بدأتُ بترجمة رسائل فنسنت فان غوخ الى العربية، كانت هي الوحيدة التي أرسلتُ لها اول رسالة ترجمتُها، لتقول لي رأيها. وعندما وصلني رأيها مع بعض الهوامش، عرفتُ ان طريقي سالكة، وما عليَّ سوى وضع القفازات بيديَّ والمضي بنظرة ثاقبة كنظرة وليم تل. فحين تقول لطفية الدليمي رأيًا يشير الى بعض الجودة فيما أكتب، فهذه هي شهادتي وهذا هو مرادي.
عادة ما تمنح البلدان جوائز لمبدعيها الكبار للاحتفاء بهم وبمنجزهم، لكن لطفية الدليمي عكست الصورة بشكل استثنائي ومرهف، بعد أن حصل العراق كله على جائزة اسمها لطفية الدليمي، جائزة فرشتها لطفية بين بساتين ونخيل بلاد مابين النهرين، وهي تنادي بالمحبة والسلام والعدل واحترام الانسان، فمنذ كتابها الأول (ممر الى أحزان الرجال) وحتى هذه اللحظة، مازالت لطفية الدليمي وستبقى تنقلنا عبر ممرات يغمرها الجمال والمعرفة والهداية والأمل.
أمي العظيمة لطفية، لك مني سلام عراقي يليق بك، لك بستان محبتي وورد روحي.