علي حسين
ينقسم العراق الجديد إلى قسمين: جماعة تعشق دول الجوار وتهيم غرامًا بها، وهم طبعًا الذين انتفخت جيبوبهم وأرصدتهم بعد عام 2003، وقسم آخر يعشق العراق ويرفض أن يُدجّن ويزدرى، ويحتقر الطائفية والهيمنة على مقدّرات البلاد،
وهناك بين هذا وذاك مَن يسمّى الأغلبية الصامتة التي تذهب للانتخابات ليس حبًا بفلان أو كرهًا لعلّان، لكنها تخاف على رزق أطفالها الذي يتحكم به "مجاهدو" العراق الجديد، الذين يتناسلون يومًا بعد آخر، في ألوان جديدة وطبعات أخيرة، ليس آخرها بالطبع السيد جمال الكربولي الذي أخذ في السنوات الأخيرة يصول ويجول بين أروقة موقع "تويتر" مرة ليذكرنا بقصائد أبو الأسود الدؤلي، ومرة يطالب باعتقال السراق، وينسى أنه من حيتان العصر الحديث، ومرة يبكي على العراق ومرة يبكي على أشقائه الذين لم يأخذوا فرصتهم في هذا البلد، طبعًا من دون أن يسأله أحد مَن أنت وماذا تريد؟، سيتّهمني البعض بـ"العبط"، فهل يجرؤ أحد مهما علا شأنه أن يسأل شخصًا مثل جمال الكربولي: من أنتم وماذا تفعلون؟، سيُتّهم بالخيانة حتمًا، أليست أحزابنا العتيدة ومعها الحكومة الرشيدة، كانت قد قررت قبل سنوات وفي لحظة تاريخية مهمة أن صواريخ "الكاتيوشا" وحدها يمكن أن تؤسس لعراق تعددي.
في مقابل تغريدات الكربولي، تأملنا أمس صورة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وهو يستقبل فتى حادثة التعذيب، ويقدم له الاعتذار باسم الحكومة العراقية وهي لفتة انسانية لم تجربها السياسة العراقية من قبل ، لان المسؤول عندنا لايخطأ ولهذا فهو لا يحتاج الى اعتذار ، لقد تأملنا من قبل في صورة عادل عبد المهدي وتابعه عبد الكريم خلف وهما يسخران من المتظاهرين، وقد ظل عادل عبد المهدي يريد، وحتى اللحظة الأخيرة من جلوسه على كرسي رئاسة الوزراء، أن يحقق النصر على المتظاهرين، لا على الذين يسرقون أموال الشعب.. فالرجل لم يكن يسعى إلى استعادة الأمن، وتنشيط الاقتصاد، وبناء الثقة بين الناس والحكومة، وإنما للسيطرة على ساحات الاعتصام ليستبدل شباب التظاهرات.. بقوات هوايتها ممارسة لعبة الصيد ببنادق "الصجم".
يعذرني البعض لأني أعود لحادثة "الفتى" الذي تم الاعتداء عليه من قبل القوات الأمنية، لأنني وجدت الكثير من ضعاف النفوس يسخرون منه، ويعتبرون الأمر عاديًا جدًا، أحدهم كتب: ماذا تريدون أن تفعل القوات الأمنية مع سارق؟.. طبعًا اتضح أن الفتى لم يسرق وإنما كان يبيع قناني الماء، وآخر اعتبر أن وراء حادثة الفتى القوى الماسونية التي تريد الإساءة لقادتنا "المؤمنين".. ياسادة، مرت أشهر على حادثة الأميركي جورج فلويد ولاتزال بعض مدن أميركا تغلي، وكنت قد كتبت عن قرار مجلس مدينة مينيابوليس الأميركية، بحل دائرة شرطة المدينة، بعد حادثة فلويد.. في الوقت الذي صمتنا فيه عن قتلة متظاهري تشرين.