عمــار ســاطع
قد يعتبره البعض تصريحاً مألوفاً، أو جاء كجواب لسؤال، أو رداً عن موضوع مهم للغاية، لكنه في الحقيقة غير ذلك تماماً!
وإذا ما فرضنا جدلاً أن ما قاله نائب رئيس نادي الطلبة الرياضي محمد طالب الهاشمي، جاء لبيان رأيه في قضية انطلاق دوري كرة القدم الممتاز للموسم الجديد، غير أنه لم يكن اعتباطياً كونه من بين الشخصيات الأكثر تعمّقاً في هذا الموضوع، بل إنه من مبيّن الاسماء الاكثر دعماً لتأسيس رابطة الدوري، وهو ما يعني في المحصلة النهائية إنه يملك معلومات مهمة جداً حول إقامة المسابقة الأهم محلياً!
قد يعتبر البعض أن تصريح الهاشمي، أشبه بورقة ضغط على الحكومة بهدف منح التخصيصات المالية للأندية المشاركة في الدوري الكروي العراقي، لكنه في الحقيقة تصريح قد يكون له تأثيرات كبيرة ويأخذ حيزاً مهماً من الأصداء في الفترة المفصلية المقبلة!
يقول الهاشمي: إن هناك 16 فريقاً من أصل 20 ستنسحب من المشاركة في مسابقة دوري الكرة، بسبب ظروفها المالية الصعبة وعدم قدرتها على الايفاء بالتزاماتها جراء عدم نيلها للتخصيصات المالية وافتقارها للميزانية الكافية، مما يعني أنه رمى الكرة في ملعب الحكومة مؤكداً ضعف التمويل وقلة الموارد لدى الكثير من الأندية، إن لم تكن معدومة تماماً لدى الكثير منها!
وفي اعتقادنا أن كلام الهاشمي، لم يكن وليد اللحظة، بقدر ما نعتبره محصلة لمؤشرات خطيرة تنذر بخطر فادح سيلحق بالأندية الرياضية التي تمول ميزانيتها من تخصيصات مالية من الدولة العراقية، عبر المُنح والدعم، وهو أمر يعطي دلالات كبيرة على أن ما ذهبنا إليه في يوم ما، لم يأت من فراغ، حينما طالبنا الجهات الحكومية بتحويل الاندية الى قطاعات خاصة، عبر شرائها من مستثمرين وشركات داعمة ومؤسسات قطاعية عابرة للكلاسيكية، ونقلها من تحت الوصاية الرسمية للدولة العراقية كأندية تمارس الرياضة هواية، الى الجانب الاحترافي العملي المتطور!
ومثلما يعتبر الكثير من المتابعين والمقربين لدوائر الرياضة عندنا، أن ما يحدث اليوم في باكورة لشلّ الحركة الرياضية بمختلف الاتجاهات، فإنني أعتبرها المسمار الأخير الذي يدق في الواقع الأليم في نعش الرياضة العراقية، انطلاقاً من دوري كرة القدم وهو ما يحدث أمامنا في الحقيقة!
سأعود بكم قليلاً الى العام الماضي، وما حدث من تخبّط كبير في مسابقة دوري الكرة، فقد توقفت المسابقة لأشهر، ثم استأنفت المسابقة بانسحاب خمسة فرق بسبب أوضاعها المربكة، ثم استكملت المسابقة بجدولٍ جديد، قبل أن تتوقف بسبب كورونا، وعادت على الورق بموعدٍ آخر قبل أن تلغى بالمرة، كل ذلك يعني لنا أن الأمر لم يكن وليداً حديثاً مشوهاً، بل سبقته تأثيرات بُنيت نتيجة الافتقار الى التخطيط، هذا التخطيط الذي ندفع ثمنه اليوم، بـ(مانشيتات) تُعنى بانتقالات اللاعبين وتعاقدات الفرق مع النجوم، بأرقام مهولة ومبالغ عالية وأسعار خيالية، تصل الى ملايين الدنانير، في وقتٍ لم تعد الأندية قادرة على الإيفاء بالالتزامات نتيجة خلو خزائنها من الأموال بانتظار المعونة الحكومية!
وحتى نكون صريحين أكثر، فإن الهيئة التطبيعية التي تقود منظومة كرة القدم العراقية في الوقت الراهن، تعيش في تفاؤلٍ كبير، حتى أنها تؤسس لمرحلة لاحقة، دون أن ترتكز بقدمها على الأرض، فالدوري بحاجة ماسة الى مبالغ هائلة وإيرادات مالية تفوق ذكر الأرقام الطبيعية، بينما لا تملك وزارة الشباب والرياضة الأرقام التي يمكن من خلالها أن تدعم مشروع إقامة الدوري، مثلما هو مفهوم لدى أغلب الذين يدركون مدى العلاقة الجيدة بين الوزارة من جهة والتطبيعية من جهة أخرى!
وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أيضاً، قضية زيادة الإصابات بفايروس كورونا، ناهيك عن القضية المالية الأزلية أصلاً، فإن المشكلة تكمن في تواجد فايروسات بعقول من يقود العملية الإدارية في الاندية، فالأهم عندهم هو قشور الموضوع وليس لب القضايا العالقة، فالأكثرية يهتمّون بالتقاط الصور مع اللاعبين الذين يتعاقدون معهم ويذكرون أرقاماً عالية من مبالغ التعاقدات، بهدف جلب الأنظار، دون أن يكون لديهم رادعاً مما أحدثته الأعوام الماضية من غياب الالتزام وافتقار للمصداقية مع المدربين واللاعبين والقضايا العالقة من شكاوى وصلت صداها الى غرف المحاكم!
أقول كل ذلك وأنا اقف على اعتاب مرحلة خطيرة، قد تدفع ثمنها رياضتنا كلها وكرة القدم على وجه الخصوص، فبينما يعتبر الكثير من المولعين باللعبة الشعبية الاولى في العالم، إن العراقيين يتنفسون كرة قدم، فإنني اعتبر إقامة دوري الموسم الجديد ضرباً من الخيال، ليس من باب التشاؤم، بل من باب التطرق لأمر مهم جداً، يتعلق بمسيرة تأريخية تعود الى أربعة عقود ونيف، حيث الموسم الذي انطلق فيه أول دوري كرة قدم أهلي في العراق!
دوري كرة القدم العراقي بنسخته الجديدة، سيكون على المحك، بل مهدد بالإلغاء بسبب التصوّرات التي رسمناها على الورق، وقد يتعرّض لمخاطر الإلغاء كما حدث في الموسم المنصرم، بانتظار فرج القرارات وما تحمله التخصيصات المالية للأندية لتكون قادرة على الإيفاء بالتزاماتها مع المدربين واللاعبين!