علي حسين
على الصفحات الأولى من معظم صحف العالم ليوم أمس، صورة محافظ لبنان وهو ينتحب باكيًا، تأثرًا بضحايا بلاده بسبب تفجير الميناء، الذي خلف 135 قتيلًا، وفق آخر الإحصائيات..
مع هذا الرقم تذكر أيها القارئ عدد الذين بلعهم نهر دجلة في كارثة جسر الصرافية، والجنازات التي ظلت تدور في شوارع العراق حاملة جثامين شباب توهموا أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي سيفتح لهم أذرعه، فإذا به يفتح عليهم أبواب الموت، ويمنحهم بدلًا من الأمل بالمستقبل، قنابل غاز منتهية الصلاحية ورصاصات في الرأس أو حفلة "صجم" في ساحة التحرير.
يرفض ساستنا أن يراهم الناس في لحظة ضعف بشري.. فكيف يمكن للقائد الأوحد أن يذرف الدموع وهو الذي يملأ الفضائيات والصحف خطبًا ومعارك نارية؟.
كأنما الدرس الذي تعطيه بعض الشعوب موجه على نحو خاص، إلى بلد البرلمان ذي العطلة الدائمة. أو هكذا، في الأقل، يمكن أن نسمي الجولات السياحية التي يقضيها ساستنا في بلاد الإفرنج، الآف العراقيين خاضوا حرب الحياة مع التسيب الامني وفوضى الارهاب ، لم يجدوا حتى اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة أي مسؤول يقف منتظرًا عسى أن يتم إنقاذهم، لكن الساسة والمسؤولين ذهبوا صوب مايكرفونات الإعلام يبثون ويحتجون وينددون، فيما عوائل الضحايا لا تزال حتى هذه اللحظة تنتظر من يمد يده إليها لينقذها من العوز والفقر والتشرد.
في لحظة اعتراف نادرة، يقول ديغول لكاتب سيرته جان لاكتور، إنه نادم لأنه فكر يومًا بمواجهة تظاهرات الطلبة، ديغول الذي حرر فرنسا من قوات هتلر، يطيح به استفتاء عام 1969 فيقدم استقالته في جملة واحدة: "سأتوقف منذ هذا اليوم عن أداء مهام عملي كرئيس للجمهورية". وتعليقًا على خذلان الفرنسيين له بنسبة التصويت قال كلمته الشهيرة "الجحود صفة الشعوب العظيمة" لم يقل عن الفرنسيين إنهم "جوكرية"، ولم يخوّن معارضيه، ولم يصرخ محذرًا من مؤامرة تقودها الإمبريالية الأمريكية.
تقوم تجارب الحكومات الناجحة على الصدق والمشاعر الإنسانية. فيما يعيش برلماننا الكسيح على الشك والنميمة والانتهازية واحتقار الإنسان.
منذ أشهر تعيش معظم الولايات الأمريكية ملحمة بشرية في الدفاع عن قيمة الانسان ، كانت فيها عائلة الضحية جورج فلويد تعيش الأمل بأن ساستهم ومسؤوليهم لا يمكن أن يتخلوا عنهم.
انظروا إلى نحيب محافظ بيروت.. وتمعنوا في ابتسامة سياسيينا، واسألوا أين نحن بعد سبعة عشر عاما من الكلام عن الرفاهية والسيادة والمستقبل المشرق، وحكومات الشراكة، والمحاصصة اللطيفة، وسيادة القانون؟.
إنسوا، لا شيء، فأنتم تعيشون في ظل سياسيين جفت دموعهم، مهمتهم الوحيدة أن يهدموا هذا الوطن ليتربعوا في النهاية على أنقاضه.