إياد الصالحي
إن تتبّع الخط الزمني لحدث كولادة (المدى) وكِبرها في حُضن سُلطة رابعة شهدها العراق بصورة مغايرة عمّا واجهته طوال تاريخها ما قبل عام 2003، كفيل بكشف أسرار الذكرى 17 البهيجة والمؤلمة لما تمثله الحياة الصحفية في ظروف كالتي مرّ بها وطننا العزيز ولمّا يزل من مجابهة حقيقية بين الخير والشرّ بكل معنيهما ما أدّيا إلى فرض واقع لا مناص من الاعتراف بخطورته إذا لم يُعالج بميثاق شرف المهنة الحاضر في مسوّدات مؤجّلة والغائب عملياً بفعل فاعل معلوم.
مُذ شرعنا قبل سبعة عشر عاماً في رحلة التنافس المهني مع كوكبة من فرسان الكلمة البيضاء مثل نفوسهم النقية زملائنا "خالد محفوظ وخليل جليل وحيدر مدلول وإكرام زين العابدين وطه كمر ويوسف فعل وكريمة كامل والمرحومين جنان محمد وعلي عامر" حتى تفرُّقنا لأسباب أملتها الظروف الاجتماعية والمهنية، كان العمل الجدي والنقد النظيف ديدننا، ولم نستظهر العِداء لأحد بين السطور، وهمّنا لم يبتعد عن روح الرياضة وكيفية تعضيد أواصر المؤسسات والأفراد من أجل إعلاء شأنها، فكانت المدى الرياضي بإصدارها اليومي وملحقها الأسبوعي ومجلة حوار سبورت مراكب محصّنة بمعدّات الإبحار لمواجهة أية مغامرة طارئة تهدّد الرحلة، وكنّا لها جاهزون بمرصاد الحكمة من دون تهوّر.
إن المصداقية في الطرح الإعلامي ليست شعاراً خارقاً لعقول المتلقي كي يؤمن به قسرياً دون تحريّ أو مقارنة أو شك، بل هي ممارسة أخلاقية لمن يخجل أن يُكتَب أو يُقال عنه (مراوِغ وكذّاب) وهو ما دعانا بكل حرص للحذر من الوقوع في فخ المعلومة المثيرة وإن وردت عن مصدر صريح ومخوّل، فالضرب تحت الأحزمة بات ديدن البعض طمعاً بموقع على حساب التشهير والتسقيط بالمنافس، أسلوب رخيص لقيَ من يتناغم معه بمنفعة وليس بالمجان، وهو سبب رئيسي للخراب البائن في مرفأ الرياضة ومحيطه!
سبعة عشر عاماً، شهدت الرياضة خلالها مخاض عسير لمؤتمرات واجتماعات وتكتلات وانقلابات لم تكن نوايا أغلبها حَسِنة، فما وراء التكالب مزايا استقتل البعض لاغتنامها وقد كشفنا مستور بعضها وسنبقى جاهزين لكشف غيرها دون مصلحة سوى فضح الفاسدين والمتآمرين والمتناغمين مع الباطل، وواجهنا في المقابل وجوهًا مقنّعة لا تتورّع من التحالف مع الحُرَبَاء لبثّ سموم حقدهم وكراهيتهم وتزييفهم البيانات من أجل تبييض سمعة مؤسّسات قضت خدماتها بالشكوى والطعون في المحاكم تاركة مصائر رياضييها تستعر بانتظار مؤتمرات استعادة الثقة أو سحبها.
مررنا بتجارب غنية بالدروس، لم نأسف على خسارة أحد إلا من زاغ قلبه عن خط سير المهنة طمعاً بمنصب زائل أو خذلان مبدأ أو تشهير سافِر برجالات الرياضة والصحافة، عدا ذلك نفتخر بأصدقاء المدى ممّن حرصوا على نقدها بقسوة احيانًا في غمرة اعتزازهم بها، وواصلوا التفاعل مع طروحاتها لإضافة فكرة تعضّد المضمون وتسارع في التنفيذ، ونصحوا بإخلاص لتسليط الضوء على زوايا معتمة بسبب خمول المسؤول وإهماله، فكنّا بفضل التفافهم حولنا بمثابة عائلة صغيرة تتبادل رسائل الطمأنة والمبادرة والتناغم عبر البريد الإلكتروني وتطبيق الواتساب، فزاد تمسُّكنا بعلاقة مجتمعية رياضية كهذه تستهدف إصلاح عمل الأندية والاتحادات واللجنة الأولمبية ووزارة الشباب والرياضة وليس اصطياد أخطاء اشخاص بعينهم مع إن قائد المؤسسة يتحمّل أية خروق تهزّ سمعتها بصفته الاعتبارية والمعنوية ليس إلا وبخلافهما يُمكنه أن يجلس في بيته وينأى عن المساءلة.
بالنتيجة، لم نخرج عن مألوف مصارحتنا قط، ولم نتأثر بمغادرة مسؤول لموقعه، ولم نستقتل بالدفاع عن مشبوه بهدر المال فإن كان نزيهًا سينصفه القضاء ويأخذ حقّه، ثم لِمَ كل هذا الصراخ و(ناقل الكفر ليس بكافر) فالهدف من توثيق رأي وزير أو خبير أو رئيس اتحاد أو مدرّب لغرض بيان حقائق غامضة تلوك بقصصها الناس، والحرية متاحة للرد وبطلانه بحجج مقنعة إيمانًا بحق الرأي الآخر لإظهار وقائع باتة لا أن تتوالى سِهام الطعون مسدّدة ضربات خائبة، فذلك اسلوب الضعفاء مسلوبي الإرادة وفاقدي العطاء ممّن لا يستحقّون عناء الرد وهدر الوقت معهم!
خلاصة سبعة عشر عاماً وما تليها الى ما شاء الله إن واصلنا الرحلة في المركب أو أكمل من بعدنا فرسان القلم وما أكثرهم، ستبقى المدى الرياضي تؤكّد في كل عيد سنوي بأنها لم تتخل عن نهجها في مناصرة الحق أينما يكون بعيداً عن حملات التبرّع بالكلمة القابضة!