ترجمة شيماء سامي في الخامس من فبراير,1920 جاءت حشود هائلة إلى Grand Palais بباريس لتشاهد شارلي شابلن. و قد أشيع وقتذاك أن شابلن قد تحول مؤخرا إلى الدادائية (وهي حركة أدبية و فنية فوضوية اعتبرت نفسها ضد كل شيء حتى الفن)
و أنه قد جاء إلى فرنسا ليمثل مع أصدقائه الجدد كجزء من برنامج صالون المستقلين. غير أن الحشود أصيبت بخيبة أمل شديدة عندما لم تشاهد نجمها المحبوب شابلن أو شارلو (كما كانوا يسمونه) بل وجدت أمامها مجموعة من الدادائيين الذين خدعوا الجمهور بنشر تلك الشائعة، و راحوا يتلون بنبرة رتيبة، و في وقت واحد، أربعين بيانا أدبيا و فنيا. على نحو تهكمي، أدى غضب الحشود إلى حدوث مشهد، لا بد و أنه قد أثار البهجة عند شابلن،rnإذ بدأت الحشود في رشق الواقفين على خشبة المسرح بالقطع المعدنية و الطماطم، و الحدث تطور إلى شجار صاخب على طريقة كوميديا ماك سينيت الضاجة. في تلك اللحظة، لم يكن شابلن متواجداً في أي مكان من فرنسا، بل كان منهمكاً في إخراج فيلمه الطويل الأول '' الصبي'' The Kid .لقد خلق شابلن شخصية المتشرد في العام ,1914 و سرعان ما اشتهرت هذه الشخصية وأحرزت شعبية هائلة، لكن احتاجت إلى وقت حتى تحرز القبول والتعاطف عند النخبة المثقفة.وهذا ما أكده الشاعر روبير ديسنوس في الجريدة السوريالية '' وثائق'' إذ قال:» رغم أن حركتنا الطليعية لم تكتشف شارلي شابلن إلا بعد أربع أو خمس سنوات من تعرف رجل الشارع عليه، إلا أنها أخذته و آوته في قلبها''.حتى مارسيل بروست قام بتشذيب شاربه بحيث يماثل شارب شابلن.لماذا سعى الدادائيون (الذين تحول أغلبهم إلى سورياليين بعد سنوات قليلة) إلى اعتبار شابلن واحدا من مجموعتهم؟أندريه بريتون، لوي أراغون، فيليب سوبو- مؤسسو السوريالية- كانوا معجبين جدا بشابلن و اعتبروه '' سورياليا على نحو موضوعي''. وبريتون رأى وعد السوريالية في أفلام شابلن الأولى '' حيث للمرة الأولى تتفجر السخرية من الحياة الحديثة في روح مجردة من المرارة، كما في أعمال ماك سينيت الكوميدية، التي هي من أكثر نتاجات السينما غموضا حتى الآن''.في البيان السوريالي الثاني، وضع بريتون شارلي شابلن جنبا إلى جنب مع ماركس، فرويد، تروتسكي ورامبو كثوري حقيقي و أصيل.أراغون كتب قصيدتين من قصائده المبكرة عن النجم شارلي شابلن، و روايته '' قروي باريس'' (1926) يمكن اعتبارها تحية إجلال وتقدير للمتشرد.فيليب سوبو، مثل أراغون، كتب '' قصائد سينمائية ''- حسب وصفه لها- عن شابلن، كما كتب مقالة في ,1928 وسّعها في ما بعد و نشرها في كتاب، و فيها أكّـد أن شابلن هو '' بطل زمننا ''.الطليعية الفرنسية كانت سبّـاقة في أخذ شابلن بجدية كفنان. كانت أعماله التهريجية، المتسمة بالخشونة، تسليهم و تضحكهم، و لم ينظروا إليها بوصفها دعابات فحسب بل رأوا فيها شعرا عبثيا كانوا يسعون إلى مضاهاته، و لم يضيعوا وقتا في التنظير له.لوي ديلوك، الذي أسس أول جمعية سينمائية في العالم، و ذلك في العام ,1920ألف أول دراسة بحجم كتاب عن النجم السينمائي، و الذي فيها أثنى على شابلن لتحويله السينما إلى شكل فني حديث، و رفعه إلى المكانة التي يحتلها بيتهوفن و نجنسكي وموليير.أراغون تقاسم هذه الرؤية النخبوية عندما كتب يقول:'' لا مفر من أن تعرف وتحب لوحات بابلو بيكاسو في مرحلته الزرقاء.. أن تقرأ كانت و نيتشه. و بالمثل، أن تبدي إعجابك بفيلم ( المتشرد) لشابلن''.بالنسبة للسورياليين، فقد جسد متشرد شابلن الفلسفي تلك الفوضوية، الثورة، التهكم، حالة الحلم و الحب المجنون. لقد امتدح أراغون الطريقة التي بها كان شابلن يقلق قوانين المكان و الزمان، و يقلب رأسا على عقب كل القيم الزائفة من خلال قدرته الخارقة للطبيعة على نفخ الحياة في أشياء جامدة و تحويل البشر إلى '' مانيكانات''.الفنانون و النجم الصامت تقاسموا جمالية مماثلة: عندما حدد شابلن جوهر النكتة الجيدة بوصفه فجائيا و غير متوقع - '' فكرة تذهب في اتجاه واحد فتلتقي فجأة بفكرة أخرى''- لعلــه كـــان يصف المفهـــوم الســــريالي لــ ''الجمال المزلزل'' و الذي كان يسعى إلى إثارة الصدمة بطريقة مماثلة.فيليب سوبو كتب يقول: '' في الوقت الذي كنا ننمّي السوريالية، كانت السينما بالنسبة لنا كشفا عظيما''.لقد حوّل السورياليون تجربة ارتياد صالات السينما و مشاهدة الأفلام إلى سلوك أو فعل سوريالي: اعتاد أندريه بريتون و جاك فاشيه القيام بنزهات صاخبة في صالات السينما يتناولان خلالها الطعام و يتبادلان الأحاديث الضاجة، و كانا يتنقلان عشوائيا بين الصالات الباريسية. و يتذكر بريتون كيف كانا يحبان دخول صالة السينما دون أي معرفة مسبقة بالفيلم المعروض، و في أي وقت من عرض الفيلم، ويغادران الصالة عند أول إحساس بالضجر ليهرعا إلى صالة أخرى ويت
شارلي شابلن والسريالية
نشر في: 14 مايو, 2010: 04:28 م