علي حسين
إسمحوا لصاحب هذا العمود أن يحتفل مع زملائه بدخول العام الثامن عشر لصحيفة (المدى)، وأن يعترف علنًا أنه لم يكن يعرف قواعد اللعبة الديمقراطية جيدًا، ولا يفهم أنظمتها الجديدة التي تشكلت في العراق،
ولهذا يصر كل يوم على أن يصدع رؤوس القراء بمقالات مغرضة عن الخراب والانتهازية السياسية والرشوة والفساد، فيما الحقيقة تقول إن كل ما نشرته في هذا العمود هو مجرد لغوٍ وبهتانٍ تبطله الوقائع والشواهد التي تؤكد أن هذه البلاد تعيش أزهى عصور الاستقرار والتطور، حتى أن بلدانًا مثل اليابان وكوريا الجنوبية أقرت كتاب "المفكر" إبراهيم الجعفري كمنهج دراسي في جميع مراحل الدراسة..
إذن أنا رجل أسعى لتحويل الحق إلى ضلالة، وأكتب ما يصادف هواي الشخصي ويوافق أفكاري، وهي أفكار اكتشف البعض من ساسة البلاد أنها تحمل في طياتها سوء النوايا، وأنني متورط مع منظمات دولية عميلة تريد تشويه صورة العراق وتحريف الحقائق.
ثم إنني كلما يحاول ساستنا "الأفاضل" الاحتفال بمنجزاتهم العمرانية والسياسية والاقتصادية، أحاول من جانبي أن أعكر صفو الأجواء، فأذكّر الناس بجزيرة صغيرها اسمها سنغافورة، وبعجوز توفي عن 91 عامًا اسمه لي كوان، أو أردد شامتًا مقولات لفقير هندي اسمه غاندي، يقولون إنه هزم بريطانيا العظمى وهو جالس يغزل أمام بيته، ولم يتوجه إلى التلفزيون يومًا ليلقي خطاب الأربعاء، أو أصرعلى إعادة حكاية السيدة أنجيلا ميركل التي اكتشفنا بعد فوات الأوان أنها لا تملك خبرة السيد نوري المالكي فقررت الاعتزال، لأن حزبها خسر الانتخابات في إحدى المدن، في الوقت الذي خسرنا فيه الموصل ومعها عدة مدن دون أن تهتز لنا شعرة.
وكنت أعرف، طبعًا، أن التجربة السياسية الجديدة في العراق هي الأفضل في العالم، لكنني اصر أن أكتب في هذا المكان عن الإمبراطور أكيهيتو الذي أحال نفسه إلى التقاعد عام 2019، بينما سيموت الشعب العراقي حسرة من أجل أن يسمع أن قادتنا "المياميين" قرروا اعتزال السياسة، ولهذا سأظل " إمبرياليًا" وأنا أعيد وأصقل بحكاية باني سنغافورة الذي لم يحب إلقاء الخطب، وعندما قرر أن يتقاعد ظل يعشق البناء، بناء المدن وبناء الإنسان، وطوال مسيرته السياسية، لم يظهر واقفًا على منصة ينتظر"الأهازيج".
والآن هل تستكثرون على ساستنا الأفاضل أن يشتموا الإعلام ويتهمونه بالخيانة العظمى وبانه ينفذ سياسة " الجوكرية "، وأنا الذي أريد تحويل الاحتفال بهذه المناسبة إلى عمود يسخر من منجزات التجربة العراقية الجديدة، لاعليكم سنحتفل بدخولنا العام الثامن عشر، وننتظر العام التاسع عشر، ونسعى إلى اعوام جديدة ، لأننا نؤمن بأن هذه البلاد لا يمكن لها أن تظل تحت رحمة من يعتقد أن الحكم ليس شراكة في الأحلام والنوايا الصادقة.