عدوية الهلالي
خمسة عشر عاماً ، هو عمر علاقتي بصحيفة المدى ..ربما تخلله انقطاعان قصيران ، الأول عندما جرى إعادتنا – نحن أبناء وزارة الإعلام المنحلة – الى وظائفنا الحكومية واضطررت الى تقديم استقالتي للمدى ، والثاني عندما حصل اختلاف في وجهات النظر ذات مرة بيني وبين المسؤولين فيها وتوقفت عن الكتابة فيها لفترة قصيرة ، لكني ، وفي كلتا المرتين ،
وجدت المدى تدعوني إليها ثانية وتفتح لي أبوابها كبيت ثان لي ، وكنت ألبي الدعوة بكل سرور وأعود إليها بحنين كبيرلأنها المتنفس الذي يمكن أن أطلق من خلاله أفكاري وآرائي مهما كانت مختلفة أو جريئة ، ولأن المدى لم تعتد التخلي عن كتّابها وساندتهم في كل مامر بهم من ظروف مادياً ومعنوياً وأذكر أن المدى عملت على تذليل العديد من العوائق التي صادفتني عندما كنت أسكن في أطراف بغداد خلال أحداث العنف الطائفي حيث صار وصولي إليها محفوفاً بالمخاطر، فقد عرض علي وقتها رئيس مجلس إدارتها ورئيس تحريرها الاستاذ فخري كريم مشكوراً اكثر من اقتراح لكي لاأفارقها كلياً ولكي أواصل الكتابة فيها حتى ولو عن بعد ، كما لم يفسد اختلاف وجهات النظر الود بيني وبين المدى ..وهكذا واصلت الكتابة واستمر فيها عمودي المفضل بين أعمدتي في كل الصحف والمجلات التي عملت فيها ( مجرد كلام ) فضلاً عن موادي الثقافية والمترجمة ، ومازلت أفخر بوجودي بين كتابها وكادرها الراقي وتسعدني الصبغة التي طغت عليها منذ أن تناسلت لتصبح مؤسسة كبرى تضم إذاعة وقناة ووكالة إخبارية وبيت ثقافي لاستذكار المبدعين وإقامة الأنشطة الثقافية والفنية ودار نشر قدمت العديد من الكتب القيمة ومعارض كتاب سنوية هي أشبه بكرنفالات ثقافية ، فقد صار يشار لها بالبنان عندما يجري الحديث عن الحركة الثقافية في العراق لأنها أسهمت فيها بشكل بارز وصار أغلب الكتّاب والمثقفين يجدون فيها ملاذهم من جدب الثقافة ومن التوجهات المتطرّفة او المتحزبة ..فيما يخصني ، لم تكن المدى بيتي الثاني فقط بل أسرة ضمت العديد من الأسماء الكبيرة التي شرفني التعرف الى أصحابها والتعامل معهم ..بعضهم غادر المدى والحياة وترك ذكراه حية في قلوب قرائها والعاملين فيها ، ومنهم من حط رحاله فيها لفترة ثم غادرها الى مطبوع آخر وهؤلاء أيضاً تركوا آثاراً طيبة في نفوسنا ونفوس القراء ،أما الفريق الثالث فهم الذين لايزالون يديمون ألق المدى بدأبهم وتحديهم لكل الظروف العامة والخاصة لأجل أن تستمر المدى بالصدور وتواصل إبحارها في عالم الصحافة المدجج بالمتاعب..
مبارك للمدى الشوط الذي قطعته ومبارك لكل من ساهم ويساهم في استمراريتها واتمنى أن تبقى ملاذاً وبيتاً لكل كاتب يحترم قلمه ويفخر بسطوره لأنه سيستمد فخره ولاشك من وجوده ضمن أسرة المدى ...