كاظم حبيبكل يوم ترتكب جريمة أو أكثـر في العراق.. الجميع يسمع بها ويرى ضحاياها من شهداء وجرحى ومعوقين .. كل يوم يسود الحزن والأسى عائلات جديدة والسواد يملأ بيوت الناس .. لم يعد يستطيع العراقي ملاحقة المآتم التي تقام على أرواح تلك الضحايا البريئة التي لا ذنب لها سوى كونها من هذا الوطن الجريح النازف دماً ودموعاً دون انقطاع ومنذ أجيال وعقود وقرون ...
الكل حزين على موتاه، فهم أبناء عائلة واحدة.. شعب يعتصر وتمرغ كرامته بالتراب في وطن يتصارع سياسيوه حتى اللعنة..هذه الجرائم أصبحت معتادة ترد في أخبار وتقارير وكالات الأنباء العالمية والإذاعات وقنوات التلفزة وكأن حدثاً عادياً يحصل في العراق .. الكل يتوقع أن يموت غداً بسبب انتحاري جبان أو سيارة مفخخة نصبها قاتل، إلا من يعيش في مواقع آمنة يسكنها المسؤولون ولا يصل إليها الإرهابيون القتلة.. هذه الجرائم يعيشها الشعب كل يوم، سواء أوقعت في الحلة أم بغداد أم كركوك أم ديالى والرمادي أم الموصل وضد المسيحيين على نحو خاص .. القتلة المجرمون معروفون للجميع،والقتلى الأبرياء معروفون أيضاً،فالقتلة هم أعداء الشعب والقتلى أبناء وبنات الشعب المخلصين.. هذا النوع من جرائم القوى الإرهابية مدانة من العراقيات والعراقيين ،مدانة من شعوب العالم ،ولكنها مسندة من قوى داخلية مريضة وجبانة وعدوانية تجد الدعم والتأييد من قوى ونظم جائرة مجاورة لا تعرف الرحمة طريقها إلى قلوب مسؤوليها وحكامها .. إنهم يملكون قلوباً جامدة باردة ميتة وعقولاً فارغة ولكنها محشوة بالنذالة والقذارة وكره الإنسان .. هذا النوع من الجرائم يعرفه الشعب ويعرف مرتكبيه وأصابع الاتهام موجهة إليهم دون أن يرتكب الشعب أي خطأ في التشخيص.ولكن هناك جريمة أخرى ترتكب في العراق،جريمة تعذيب السجناء والمعتقلين لأي سبب كان. إنها الجريمة المغطاة والمستورة التي لا يعرف عنها إلا المعذبون أنفسهم ومن هو معهم في السجن أو المعتقل وكذلك الجلادون. إنها القاعدة العامة في السجون والمعتقلات العراقية وأولئك الذين في المعتقلات الأمريكية سواء بسواء. وربما يتساءل البعض: هل يمكن مقارنة الجرائم الأولى بالجرائم الثانية؟ على الرغم من بشاعة الجرائم الأولى وقتلها لعدد كبير من الأبرياء ويمارسها إرهابيون قتلة مدانون من المجتمع كله،إلا أن الجرائم الأخرى تمارس من قبل أجهزة الدولة الرسمية التي عليها احترام الإنسان والقانون وضمان تطبيقه في العراق ،في حين أن هذه الأجهزة هي التي تقوم بهذه التجاوزات على الإنسان والقانون. فبالرغم من حديث السيد رئيس الوزراء الحالي عن دولة وقائمة القانون. فالقانون في العراق مستباح لا من الإرهابيين فحسب،بل ومن أجهزة الدولة التي تمارس التعذيب في السجون. حين يجري التجاوز على القانون سواء بتعذيب الناس أو بقتلهم تحت التعذيب فهو مجرم في نظر القانون الدولي والقوانين السارية في العراق ووفق لائحة حقوق الإنسان الدولية. ولهذا لا بد من مكافحة القوى التي تمارس الجريمتين. إن ممارسة التعذيب في العراق تقليد سائد في المعتقلات والسجون العراقية،سواء أثناء التحقيق أم بعد صدور الأحكام. وهذا ما كان سائداً،في العهد الملكي وفي عهود الجمهوريات المتتابعة،ولكن بشكل خاص في عهد دكتاتورية البعث الأولى والثانية وهو ما يزال يمارس في عهد المحاصصة الطائفية. إنها الجريمة التي لا يريد الحديث عنها الكثير من الحكام في العراق،فهم "صم بكم عمي" لا يفقهون أو لا يعترفون بوجودها اصلاً في العراق بينما هي القاعدة وليست الاستثناء. إنهم يدعون بعدم العلم بما يجري في السجون! رغم أنهم جميعاً يعرفون ما يجري في السجون والمعتقلات العراقية التي يشرف عليها الأمن الداخلي ووزارة الأمن الوطني ووزارة الداخلية ومستشار الأمن القومي الذي نصبه المستبد بأمره بول بريمر مستشاراً لأمن العراق!!النظم العربية والإسلامية عموماً معروفة في العالم كله على أنها فاقدة لكل قيم حقوق الإنسان وحقوق المواطنة وحقوق المرأة وتمارس أجهزتها التعذيب بمختلف أشكاله. والنظام العراقي الراهن،كما يبدو،هو واحد من تلك النظم التي تمارس التعذيب ضد السجناء والمعتقلين. ويبدو أن أجهزة الأمن العراقية تستلهم من النظام الإيراني أساليب وأدوات تعذيبه وسعيه لغسل أدمغة السجناء وفرض التوبة على المعتقلين والمحكومين. ولا شك في أن أجهزة الأمن العراقية أثناء التحقيق وفي السجون تأخذ من النظم في السعودية وسوريا وليبيا على نحو خاص الكثير من أساليبها وأدواتها في التحقيق والتعذيب أيضاً.نحن أمام تاريخ طويل في التعذيب النفسي والجسدي. ويبدو أن الدولة الشرقية،ومنها دولة العراق،تعتبر ممارسة التعذيب جزءاً عضوياً من أدوات وأساليب الحكم وفرض الطاعة على الناس،وهو ما يفترض مكافحته وإزالته من عقلية الحكام والأجهزة المسؤولة عن أمن وسلامة العراق وشعبه. حين أكتب عن هذه الظاهرة لا أتحدث عن هوى،ولا اضرب أخماساً بأسداس،إذ أن الوقائع على الأرض دامغة. نشر قبل أيام الصديق العزيز الكاتب والصحفي إبراهيم الحريري مقالاً بشأن التعذيب في العراق تحت عنوان "ضد التعذيب! لم يعد السكوت ممكناً...". وجدت نفسي متفقاً معه ومؤيداً له في ما كتب.إن تقارير المنظمات الدولية تشير إلى وجود تعذيب منظم ومبرمج في سجون العراق وفي مرحلة ال
جريمتان ترتكبان فـي العراق، فما هما؟
نشر في: 14 مايو, 2010: 04:40 م