TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: يحدث في العراق فقط

العمود الثامن: يحدث في العراق فقط

نشر في: 10 أغسطس, 2020: 09:11 م

 علي حسين

عندما قرأت الخبر الذي يقول إن لجنة جائزة كتار للرواية والتي مقرها قطر قررت هذا العام أن تحتفي بالروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان وتعتبره شخصية العام، قلت لأحد الزملاء لا يقدِّر الكبار سوى الذين يحبون أوطانهم.. أتذكر أنني كتبت قبل أعوام عن بيت غائب طعمة فرمان الذي تحول إلى مكب للنفايات،

في الوقت الذي نفذت فيه مصر مشروع "عاش هنا"، حيث وضعت لافتات رقمية لتوثيق المباني التي سكنها يوسف إدريس وإحسان عبد القدوس وزكي نجيب محمود ومئات غيرهم.. فتجد المواطن المصري يعرف أين يقع منزل الشاعر حافظ إبراهيم، وفي أي زقاق سكن الشاعر أمل دنقل، هذا إلى جانب متاحف باسماء طه حسين والعقاد وأحمد شوقي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، ولو سألت عراقيًا، 

أين يقع منزل غائب طعمة فرمان؟ وأين يقع منزل عبد الوهاب البياتي؟ وأين كان يجلس علي الوردي؟، لهز يده بطرا وتصورك مجنونًا.. فهل يعقل أن بلادًا تضم كوكبة من القادة "المؤمنين" تتنازل وتتذكر أدباء وفنانين؟ مثل الجواهري والسياب والأثري وجواد علي ومصطفى جواد الذين لفهم الصمت والنسيان مثلما فعل بابن بغداد وراوي حكاياتها غائب طعمة فرمان ، صاحب النخلة والجيران وخمسة أصوات والقربان والمخاض وآلام السيد معروف والكثير من قصص وروايات كانت ولا تزال السجل الحقيقي لنفوس أهالي بغداد، تقرأ فيها أفراحهم ومسراتهم، أوجاعهم وأحلامهم. ثلاثون عامًا مرت على غياب الروائي الكبير وهو ينتظر من بغداد أن تتذكره، ينظر إلى بغداد، وهي تنكره ، وهو الذي ظل طوال حياته أن يكون صحيحًا، وأن يقول صحيحًا، وأن يكتب صحيحًا، وأن يجسد صورة مثقف الشعب الذي يدافع عن المبادئ النقية ويظل نقيًا يقاتل في معركة الحرية من دون أن يكترث للربح والخسارة.

حمل غائب سنواته التي تعدت الستين ورحل بعيدًا، لكن الذاكرة ظلت تجول في شوارع بغداد تصطاد حكايات العراقيين في الأربعينيات وأحلامهم في الخمسينيات وقلقهم في الستينيات وضياعهم في السبعينيات وبؤسهم في الثمانينيات وتشردهم في التسعينيات ونرى بغداد كلما تصفحنا إحدى رواياته، نشم عبقها وأريجها ونحس نبضها في ملامح أبطاله ، فنشعر أننا إزاء شخصية حملت في جوانحها كل أفراح وأو جاع وأحزان العراقيين. ينظر غائب اليوم إلى بغداد فيرى نفسه غريبًا في مدينة يريد لها اصحاب السلطة أن تعيش زمن القرون الوسطى.. ونلمح ملامح وجهه المحبب إلى النفس فنقرأ فيه الحزن على أيام مضت وأحلامًا ممتزجة بآمال العراقيين، ينظر غائب في حزن، وهو يرى عالمًا أصبح فيه نكران الجميل هو اللغة السائدة ، متسائلًا أين الوطن؟..أين الذين يتذكرون أن في هذه المدينة عاش وأحب وكتب رجل اسمه غائب طعمة فرمان كان جريئًا وشجاعًا .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram