طالب عبد العزيز
هل يبدو معقولاً قولنا لمن تسبب بخراب بيروت: إنك أخطأت، وعليك تحمل وزر ما وقع؟ هكذا، وبهذه السذاجة؟ مثل هذ السؤال ينبغي أن نقوله للمئات من المسؤولين العراقيين قبل وقوع ما يمكن حدوثه في بغداد والبصرة والمدن العراقية الأخرى.
وإذا كانت الحكومة بتركيبتها المترددة في مواجهة الأخطار غير قادرة على التصدي لما قد يحدث، وإذا كان الشعب العراقي عاجزاً عن مواجهة الكتل والأحزاب المسلحة، والتي تختزن في المطارات والموانئ والمنافذ الحدودية آلاف الاطنان من الأسلحة والاعتدة والمواد المتفجرة أضعاف ما انفجر وتسبب بكارثة بيروت، ترى، هل نحن بحاجة الى حماية دولية؟ أم ننتظر ما سيحدث لنقول بان من تسبب بها فلان وفلان ؟
في بلاد لم يحاسب فيها شخص واحد من الذين تسببوا بخرابها وضياعها وتحطيم بناها التحتية وقدرة إنسانها، لا يمكننا إلا أن نقول: نعم. نحن بمسيس الحاجة الى حماية دولية، (بتهكم) وربما، إلى احتلال جديد، يعيد تنظيم اللعبة الاقليمية ثانية، ولعلنا سنصطدم بحقيقة شعبية أكبر من التي دعا اليها آلاف اللبنانيين، المنادين بتفضيل عودة الاحتلال الفرنسي للبنان على حكوماتهم الفاسدة. إذ نحن في العراق نعيش فترة ما قبل نيسان 2003 بالضبط، يوم ارتضى الشعب بحكومة "شارون" بديلاً لنظام صدام حسين، كما يتذكر العراقيون، ففي المنظور الواضح جداً نرى أن الأحزاب الحاكمة والمسؤولين في الدولة كلها غير معنيين بما سيحدث، وليس في وارد نواياهم التخلي عن ترسانتهم العسكرية، كما أن هيمنة إيران على مقدرات الكثير منهم محكمة جداً، بما لا يسمح لأحدهم بالتملص من مسؤوليته تجاهها. وهكذا يجد العراقيون أنفسهم بمواجهة الخطر الفادح القادم، والقادم لا محالة.
يقول خبراء المتفجرات بان البحر استوعب نصف قدرة التفجير في بيروت، ولو كان المرفأ وسط المدينة لقضى عليها بالكامل، ونقول بان المدن العراقية مثل بغداد والبصرة ومعظم مدن الوسط والجنوب ما هي إلا مخازن كبيرة، لعشرات الأنواع من المتفجرات والصواريخ والمقذوفات، بل وأن بيوت العراقيين مخازن مضافة لذلك، ولننظر الى مقاطع الفيدوهات المصورة للنزاعات المسلحة بين العشائر في البصرة مثلاً، ولنفحص بعين المُبصر حجم الرصاص الخفيف والمتوسط المتبادل بين الطرفين، وليكن المجتمع الدولي على بينة، بأننا شعب تصعب السيطرة عليه أمام أي تحد مسلح وانفلات أمني، إذ سينقسم الناس الى ما شاء الله من الاهواء والميولات، وستكون الدولة أول من يتعرض لها، ولن يسلم رأس كبير أو صغير من الاعتداء عليه، هذا الشعب يضمر خصومة وبغضاء لا حدود لها للذين تسببوا في ما وصل إليه.
أمام ضعف سلطة الدولة لم يجد العراقي ملاذا آمناً سوى انتمائه لحزب مسلح أو وجوده في عشيرة مسلحة قوية، وضمن المعالة الصعبة هذه صارت البندقية والعتاد جزءاً من شخصيته، كذلك انسحب الأمر على الأحزاب الدينية، فهي مختلفة في ما بينها، حتى وإن كانت قد قاتلت داعش معاً، فهي اليوم في احتراب غير معلن مع بعضها، هناك مغانم وانقسامات وتشظيات يحكمها المال والاستحواذ على السلطة، وتحركها جهات خارجية، وهناك مخاوف من تحديات الحكومة لها، لذا فهي لن تتخلى ببساطة عن ترساناتها الحربية، وستظل متمسكة بها، لأنها بوضوح تام لا تتمكن من الحياة بدونها، فهي تعلم جيداً إنها مرفوضة في الشارع اليوم ولن تكون فرص السلام ونزع السلاح أرضاً صالحة لممارسة وجودها.
ضمن الوجود غير الآمن هذا والقابل للانفجار في اي لحظة، يعيش العراقي أياماً صعبةً، وينتظر ما سيروعه بكل تأكيد، إن لم تبادر الحكومة الى وضع حد قوي لكل ما يهدد حياته، وإن لم تستطع - وهي غير مستطيعة - لذا، يجب عليها أن تعي حجم مسؤولياتها باللجوء الى المجتمع الدولي في حماية مواطنيها.