عامر القيسي
آخر عروض الجريمة في البصرة المنكوبة اغتيال الناشط المدني تحسين الشحماني في مكان عمله وسط البصرة بعشرين اطلاقة نارية اطلقت عليه بهدوء ودم بارد واحترافية عالية ، لا دلالة لها إلا أن القتلة مدربون لمهام الإغتيالات كمخرج من مخارج العملية الديمقراطية في البلاد !
والمثير للدهشة والاستغراب أن السلطات المحلية في المحافظة والاتحادية التزمت الصمت إزاء هذه الجريمة وكأنها حدثت في جزر الواق واق !
وللبصرة حكاية من حكايات الظلام في هذي البلاد ،حكاية الاغتيالات ضد مواطنين كل " جريمتهم " إنهم يطالبون بحقوق المسحوقين في بلاد الرافدين وتأمين أدنى شروط الحياة الإنسانية فيها !
نعم أدنى الشروط فلسنا مترفين الى الدرجة التي نطالب فيها أن نكون مثل مواطنين يعيشون على تخوم حدودنا المباحة !
كتبت عموداً هنا في جريدة المدى عام 2005، تحت عنوان " تفخيخ البصرة " بعد أن تعرضت سفرة طلابية لطلبة وطالبات كلية الهندسة في جامعة البصرة على ماتسعفني به ذاكرتي الخاملة، لهجمة "إيمانية" من مسلحين اعتبروا قتل طلبة العلم من موجبات التقرب الى الله وجوباً، ما أدى الى مقتل أحد الطلبة.
ولم يكن القتل على يد إرهابيين تقليديين كما شاهدناه ونشاهده اليوم، كان القتل على يد عناصر بحزب أو تيار إسلامي كان يقول إنه مستهدف من الإرهاب وإنه يقاومه بكل قوته من مال وسلاح ونفوذ! وتوقعت في عمودي، الذي لم أعثر عليه مع العم غوغول، إن البصرة الحضارية، بصرة السياب الذي بكى على وطنه كثيراً، ستتعرض الى تفخيخ بعد الحادثة، واعتبرت أن تفخيخها ليس بأعمال إجرامية من هذا الطراز، وإنما هو تفخيج سيشمل حياتها اليومية ومظاهر التمدن والتحضر فيها، وإن الأمور ستجري على هذا المنوال برعاية مباشرة وغير مباشرة من قوى وأحزاب الإسلام السياسي، الذين يروقهم بصرة سوداء وكالحة وفاسدة بالسياسيين الفاسدين ، وتوالت على بصرتنا الهجمات الإيمانية بغلق النوادي الاجتماعية والتضييق على حرية المرأة الى حدود قتلها تحت شعارات "الحشمة" ثم تحول كورنيشها من كورنيش ينبض بالحياة الى كورنيش يستجدي الحياة. ثم تصاعدت فيها نسب الجريمة المنظمة و جرائم الاختطاف الليلي والنهاري.. وواصلت البصرة غرقها في مستنقع الفساد المالي وواصل "المؤمنون" تهريب نفطها "على بركة الله " كما يقولون! .
واليوم تتحول البصرة من محطة لعبور المخدرات من إيران الى دول الخليج العربي الى مدينة مستهلكة له وحاضنة لمافياته! والأكثر مرارة أن البصرة تغرق اليوم، ليس بالمخدرات التقليدية وانما بمخدرات تسمى "الكرستال " الشديدة التأثير. وحسب إحصاءات لمنظمة مجتمع مدني فان نحو 65 % من شباب البصرة المفخخة، إما يتعاطون هذه المادة الكرستالية أو إنهم يعرفون شباباً يتعاطونها، مايعني إن حاضنتها الشعبية الشبابية واسعة ومؤثرة!
واليوم أقول إن البصرة انتقلت من مرحلة " التفخيخ " التي أدت دورها بنجاح منقطع النظير ، الى مرحلة " الاغتيال " فالمطلوب اليوم هو الإجهاز على البصرة لأن صوتها عالٍ لايمكن إسكاته بالمخدرات.. والحل بيد الكاتم !
اغتيال تحسين ليس اغتيالاً شخصياً له ، كما إنه لن يكون الأخير كما لم يكن من قبله خاتمة الفاجعة وبحسب تقرير صحفي " تقع محافظة البصرة، ضمن المناطق الحمراء، والمتصدرة، لعدد النشطاء الذي اغتيلوا خلال الفترة الماضية، دون توصل اللجان التحقيقية إلى أي خيط لمثل تلك العمليات، التي يقول ناشطون إنها منظمة، وتقوم بها جهات متنفذة، ومتمرسة على القتل، واكتسبت خبرة واسعة خلال السنوات الماضية، بشأن كتم الأصوات المناهضة" !!
فيما يبرر مسؤول حكومي تصاعد عمليات الاغتيال بالقول " "موجة الاغتيالات التي تحدث في البصرة لها علاقة مباشرة بقضايا جنائية "!
وهو بذلك يتقمص دور النعامة التي تدفن رأسها في التراب ، في نفس الوقت الذي حذّرت فيه المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق من عودة الاغتيالات بحق الناشطين المدنيين .
تحت سمع وبصر المسؤولين في البصرة وبغداد يتم اغتيال البصرة حاضراً وتاريخاً ومستقبلاً بالمخدرات والكواتم وتعتيم الحياة التي ليست جميلة كما صرخ السياب ذات يوم " حتى الظلام أجمل في بلادي " !