علاء المفرجي
تمر هذه الأيام ذكرى استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية.. والتي كانت إيذانا بانتهاء الحرب ، وأيضاً السبب في نهوض اليابان كطائر عنقاء مرة أخرى. الحدث الذي مرّت عليه السينما كثيراً ، وإن كان هذا المرور ليس بالحدث المحوري في الفيلم ، بل كجزء من التفاصيل التاريخية.
"الخامس من آب في الساعة الثانية عشرة ظهراً سنة 1945 حدث أمران تاريخيان في نفس الوقت في اليابان: الشعب الياباني سمع صوت امبراطوره لأول مرة، ليخبرهم في الراديو أن بلدهم خسرت حربها الأولى. هذا الكتاب هو سجل تفصيلي للاربع والعشرين ساعة ُالتي سبقت ذلك البث، منذ الاجتماع الامبراطوري حيث أتخذ قرار الاستسلام إلى خطاب الأمبراطور نفسه. كان ذلك أطول يوم يعيشه شعب اليابان في تاريخه."
هذا ما أخبرنا به كازوتوشي هاندو في كتاب (أطول يوم في تاريخ اليابان) الصادر عن دار المدى.. السينما التقطت هذا الحدث التاريخي برؤية المخرج الروسي الكبير الكسندر سوكوروف .
اعتنى المخرج الذي أدرجته أكاديمية السينما الأوروبية بوصفه أحد أفضل عشرة مخرجين سينمائيين في العالم، إعتنى بهذا الموضوع ومنحه أهميته التاريخية.. وتعد رباعيته التي أنجزها تباعا خلال العقد الأخير من مسيرته السينمائية علامة بارزة في مسيرة الفن السابع والتي تتحدث عن انتهاء عصر الدكتاتوريات في العالم. والتي تتألف من فيلم "مولوخ" حول هتلر و"العجل" حول لينين وستالين و"فاوست" و"الشمس" حول الإمبراطور الياباني هيروهيتو.
وهو الفيلم الذي سنحت لي فرصة مشاهدته قبل خمسة أعوام عندما عرض للمرة الأولى في مهرجان روتردام الدولي.
وقد استطاع أن يلفت إليه أنظار جمهور المهرجان حينها بقيمته الفنية، وموضوعته التي وفر لها أدوات سينمائية منحتها معالجة ذكية أدهشت جمهور ونقاد المهرجان حينها .
وبالرغم من حداثة تجربة هذا الفنان ، إلا أنه بدأها بمغامرة تناول صورة شخصية لثلاث شخصيات تاريخية كان لها حضور طاغٍ في القرن المنصرم ، فقد سبق له أن طرح رؤياه عن هتلر في فيلمه الأول (مولوخ) وعن شخصية لينين في فيلمه (العجل).
في فيلمه هذا فانه يعرض بضعة أيام من حياة إمبراطور اليابان هيروهيتو ، قبل أيام من استسلام اليابان في الحرب الكونية الثانية. فالإمبراطور ما زال مثل إله بالنسبة لشعبه، وهو يمارس حياته العادية منشغلاً بنشاطاته اليومية، يتشاور مع معاونيه، وهو أيضاً ينتظر الأميركان حاملين له أمر الاستسلام، وحين يأتون آخر الأمر، فان على هيتو أن يخضع لإرادة الجنرال في أداء مذهل يلعب فيه الممثل الياباني أوكاتا يسي دور هيرو هيتو بأسلوب شابلني خالٍ من الصوت (في أكثر من مرة يطلق عليه اليانكيون في الفيلم اسم (شارلي) دور شخص يحس بإفراط بتميزه الشخصي، لكن في الوقت نفسه ذليلاً أمام شروط عدوه.
على أكثر من صعيد، الفيلم تعبير عن الشخصية غير العادية لزوكارون.. فهناك وقائع متميزة، حس فكاهي، تصاعد درامي. وهناك أيضاً استخدام مدهش للمكان، وتنويع جميل للصوت. الممثل أوكانا ايسي يعرفه الجمهور من خلال دوره في فيلم (ادوارد يانفرين) عام 2000.
في هيروهيتو صورة للخرافة، إيماءاته متيبسة، حركاته متشنجة، شفتاه الدائمة الارتجاف تجاهد لإخراج الكلمات.. صورة استعارية رائعة عن الأفكار حين تعجز الكلمات عن التعبير عنها، جنرال أميركي لا يسمى في الفيلم، الذي يفترض أن يكون الجنرال دوكلاس ماكارثر، في مشهد حوار مثير يجمع الاثنين (الإمبراطور والجنرال) مشهد يحيلهما إلى كلاسيكيات السينما الروسية العظيمة حين تهيمن الشخصية على الكادر.
فيلم السيرة عند مخرج كبير مثل الكسندر سوكوروف يأخذ شكلاً مغايراً ومستحدثاً ، ذلك أن سوكوروف يتمثل سيرة الشخصية التي يتناولها بما ينسجم ورؤاه وموقفه من الشخصية والحدث الذي يقترن بها، ورباعيته تؤشر على نمط جديد في تناول سير الشخصيات. ولعل أسلوب سوكوروف هذا هو ما منحه الموقع المتميز في السينما الروسية، بل وجعله أميناً على الإرث العظيم لتقاليدها.
السينما الروسية لم تقف عند منجزها العظيم من الأفلام التي أصبحت مادة للدراسة في الأكاديميات السينمائية في كل مكان من العالم ، بل أيضاً عن رموزها السينمائية التي كان لها أثر واضح في تطور هذا الفن على مدى أكثر من مئة عام من تاريخها .
وإذا كانت التحولات السياسية الكبرى منذ منتصف الثمانينيات قد أثرت في الإنتاج الثر لهذه السينما فإنها لم تستطع أن تنال من حضورها البارز في المشهد السينمائي العالمي.