عبدالله حبه
جرت العادة أن أذهب في 17 آب من كل عام الى مقبرة ترويكوروفو بضواحي موسكو لزيارة قبر الكاتب العراقي الفذ غائب طعمة فرمان الذي وافاه الأجل المحتوم في هذا التاريخ من عام 1990. والزيارة الى القبر في هذا العام ذات مغزى خاص فهي تصادف الذكرى الثلاثين لرحيله.
كما إنها بالنسبة الى الذين رافقوا مسيرته طوال 30 عاماً من غربته بموسكو ترتبط بذكريات منها المفرحة ومنها المؤلمة حيث كان غائب حاضراً في كل حدث يتعلق بالجالية العراقية في المدينة التي ضمت وجوهاً بارزة مثل الرسام محمود صبري والملحن فريد الله ويردي والشاعر عبدالوهاب البياتي والأديب د. صلاح خاص، ناهيك عن زيارات كثير من الأدباء العرب الى موسكو وعلى رأسهم الجواهري الكبير ومحمود درويش ومعين بسيسو وصلاح عبدالصبور وسعيد حورانية وغيرهم. وكانوا جميعاً من ضيوفه المكرمين .
وصلت الى المقبرة ووجدت في إنتظاري نجل الكاتب سمير وحفيده جريجوري وقمنا بوضع الزهور على قبر غائب وقرينته إينا التي دفنت في العام الماضي الى جوار زوجها، والتقطنا بعض الصور الفوتوغرافية للذكرى.ومما يؤسف له عدم حضورالعراقيين الى القبر حيث أن بعضهم مثل صديقه عادل العبيدي طريح الفراش وكذلك حال بعض الأصدقاء من جيله الذين بلغوا من العمر أرذله ، وكنت قد طلبت من جمعية المقيمين العراقيين الإحتفاء بهذه الذكرى لكنهم إعتذروا بسبب جائحة الفايروس. لكنهم رجوني كتابة كلمة لوضعها في موقع الجمعية في الإنترنت وهذا ما فعلته ونشرت في الموقع غداة الحدث.
ودار الحديث مع سمير وجريحوري حول هذه الذكرى وصداها في الصحافة العراقية والعربية. وفعلاً لم أجد في الصحف العراقية أي ذكر لها ، بل قرأت في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية فقط مقالة مستفيضة حول إبداع الكاتب بقلم لؤي عبدالله . وجرى في العشية أيضاً تكريم غائب طعمة فرمان بمنحه في الدوحة جائزة كتارا للرواية العربية بدورتها السادسة بإعتباره شخصية العام ،كما تناولنا بالبحث مسألة نشر أعمال الفقيد ( من تأليف وترجمة ) في العراق والعالم العربي والتي تتم بصورة فوضوية وعشوائية حيث لا يعرف الورثة شيئاً عنها، ولا تراعى في ذلك حقوق المؤلف. وطلب الورثة مساعدة إتحاد الأدباء والكتاب العراقيين والجهات الثقافية الأخرى في معالجة هذه المشكلة.
وتبقى ذكرياتي عن الكاتب منذ تعارفي معه في بغداد واللقاء معه في بكين حين عمل مترجماً هناك وبدا لي آنذاك شبيها بالصينيين،وعندما وصلت الى موسكو زرته في اليوم التالي برفقة عبدالوهاب البياتي الذي عمل آنذاك ملحقاً ثقافياً في السفارة العراقية، وبعد ذلك لم يمر يوم دون أن أزوره في شقته الصغيرة بالقرب من مترو الجامعة والتي كانت ملتقى العديد من الأصدقاء،وتبقى في الذاكرة حفلة زواجه من اينا بتروفنا التي كنت فيها شاهد الزواج حين قام الفنان محمود صبري بتزيين الشقة إحتفاءً بهذه المناسبة.
كان غائب دوما يتولى قيادة النشاطات الثقافية وترأس جمعية الكتاب والفنانين العراقيين التي تشكلت في الإتحاد السوفيتي ، وشارك في جميع النشاطات الثقافية للجالية العراقية سواء الندوات أم في الكتابة في المنشورات والتي ما زلت أحتفظ ببعضها، كما كان غائب يحب الجلوس مع العراقيين ويسميهم تحبباً ب" الخرفان" في جلسات الشرب ، والطريف أنني سألته مرة لماذا لا يكتب رواية عن العراقيين القاطنين بموسكو فأجابني أن " السلبيات" كثيرة ولا أريد التطرق إليها ، لكنه مع ذلك كتب رواية بطلها عادل العبيدي ، كما لم يرغب في كتابة مسرحية بطلب من يوسف العاني .علما بأنه نادراً ما كان يزور المسارح وحفلات الموسيقى .
من جانب آخر أن الأوساط الثقافية السوفيتية كانت تدعوه دوماً الى المؤتمرات والندوات الثقافية حيث كان يلتقي الأدباء العرب .إن الذكريات كثيرة ولكن أعمال غائب ستبقى خالدة بصفتها صفحة ناصعة في الإبداع سواء كمؤلف أو مترجم.
جميع التعليقات 1
فلاح الحسن
لا فض فوك استاذ عبد الله، كم نحن بحاجة لمعرفة اعمق بالاديب والكاتب غائب طعمة ومنجزه الثقافي. دمت ساليماً معافى