علي حسين
لعل المشهد الأبشع من مشهد اغتيال الفتاة البصرية ريهام يعقوب برصاص كاتم صوت ، على بعد خطوات من الاجهزة الامنية.. الأبشع من ذلك كله هو ذلك التشفي والفرح الذي تجسد على وجوه بعض النواب وهم يرددون اسطوانة مشروخة " عملاء السفارة " ،
في الوقت الذي غاب عنهم البصر والبصيرة ، وهم يشاهدون محافظ البصرة اسعد العيداني يقبل وجنتي القنصل الامريكي ، ويقيم له وليمة دسمة لم اكن انوي ان احاصركم بأخبار "المجاهد" كاظم الصيادي وهو يبرر مقتل فتاة عراقية، ويتفرج على مآسي شباب الاحتجاجات من خلف نظارتين لا تساعدانه على معالجة داء قصر النظر، ولا بالخبر الكوميدي الذي زفته إلينا وزارة الموارد المائية من أن ما يثار حول السد اليسو مجرد زوبعة إعلامية وهو لا يؤثر على المياه في العراق، كما أنني أخجل أيضًا من أن أشغلكم بحكايات السيد خميس الخنجر الذي احتفل أمس ووزع التهاني على موقع تويتر، لأن أردوغان اكتشف الغاز ، ولأن السيد الخنجر رجل ثوري منذ نعومة أظفاره، فقد حيا مواقف أردوغان ودعوته للحرية لكل الشعوب، بدليل أن السلطان التركي أرسل جيوشه إلى العراق وسوريا وليبيا لإعلان "الأممية التركية"، ولانني عادة ما اشغلك باخبار الكتب ، وهو في نظر البعض نوع من انواع البطر ، فاسمحوا لي ان احدثكم عن كتاب قرأته للمرة الثانية بعنوان " الوزير المرافق" وفيه يقدم مؤلفه الأديب والوزير السعودي الراحل غازي القصيبي حوارات دارت بينه وبين بعض الشخصيات التي التقى بها .
من بين أجمل الحوارات استوقفني في كتاب القصيبي حواره مع رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي حين سألها عن شعورها وهي خارج الحكم.. فأجابت: " عندما خرجت من الوزارة بدأت القطيعة والاتهامات ضدي، منها أنني سرقت خمس دجاجات وست بيضات"، ويسألها القصيبي عن الأزمة مع السيخ فتقول إنها أزمة مع المتشددين فقط وليس مع طائفة بأكملها، وتضيف بأنها رفضت طلب بعض أعضاء الحكومة بتغيير، حرسها الشخصي المكون من الضباط السيخ معتبرة أنه يجب أن لا يؤخذ الأبرياء بجريرة المذنبين.. هذا الحوار القصير يكشف لنا ان الذين هزموا الفوضى وكسروا خوف الناس وأعلوا كرامة شعوبهم، لم يكونوا قادة معارك المصير، ولا رافعي لافتات"اقتلوا الجوكرية " كانوا رجالاً يحبّون شعوبهم لا مقرّبيهم، ويعملون لأوطانهم لا لدول الجوار .
يتوقف المشاهد لحديث كاظم الصيادي أمام نقطة مهمة: ترى ماذا لو أن مواطنًا ظهر على شاشة الفضائيات يحرض على قتل أحد النواب؟، هل يصاب القضاء بالخرس ؟، وهل سيذهب المواطن إلى بيته آمنا مطمئنًا ، لانه مثل كاظم الصيادي لا أحد يحاسبه ، والقانون مجرد خيال مآتة .