TOP

جريدة المدى > عام > وجهة نظر: في وعي التداول.. الإرسال والتلقي في العملية الإبداعية

وجهة نظر: في وعي التداول.. الإرسال والتلقي في العملية الإبداعية

نشر في: 24 أغسطس, 2020: 06:23 م

ريسان الخزعلي

يتردد في أكثرمن موقف ثقافي تساؤل جوهري يطرحه الكثير من المتلقّين للأعمال الإبداعية : هل أن َّ المبدع فرد في مجتمع أو أنه ُ فرد من مجتمع ؟ .

إن َّ تساؤلا ً بهذه السعة لابد َّ أن تكون غايته الإستفهامية الفصل بين التفاعل والتفرّج . وهنا لابد َّ من التوضيح ، أن َّ طرفي المعادلة في الأعمال الإبداعية : الإرسال والتلقّي ، غالبا ً ما يبدوان في موقفين متقاطعين . المتلقي يطمح إلى استلام سريع واضح يُثير المتعة الآنية ، مبررا ً موقفه بإستفهام صادم : لماذا الإبداع ؟ ..، في حين أن َّ المبدع في موقف آخر مغاير ، موقف تشكّل بفعل مؤثرات عدّة ، منها : التجربة ، الموهبة ، الثقافة ، الرؤية المغايرة ، الرؤيا العالية ، التفاعل مع تحولات المدارس الفنية والجمالية وكشوفات النظريات النقدية والمناهج التحليليّة ...الخ . وبفعل هذه المؤثرات ، فإن َّ المبدع يُغاير استفهام المتلقي ( لماذا الإبداع ؟ ) بإستفهام آخر : ماهو الإبداع ؟ . ومن هذين الإستفهامين ، قد يبدو للوهلة الأولى ، أن َّ كلّا ً من المبدع والمتلقي في موقف حقّاني ، غير أن َّ الإلتباس الخفي يبقى قائما ً في طبيعة الإجابات المحتملة لكلٍّ منهما . وهنا لابد َّ من وقفة تقييميّة محايدة تأخذ بعين الإعتبار مديات التباين الثقافية ، فالمبدع يجد نفسه غير مسؤول بصورة مباشرة عن الأميّة الإبجدية أو الثقافية لدى المتلقي الذي يشكو من صعوبة التلقّي ، وليس بإستطاعته ( أي المبدع ) أن يُقدّم تسليات جاهزة . ولكي يخرج التوصيف من الإطلاق والتعميم ، وعلى افتراض أن َّ المتلقي الآخر يمتلك مقوّمات ثقافية تؤهله لإستقبال الإبداع ، إلّا أن َّ الذي يحصل ، هو أن َّ البعض من هذا الآخر- كما نتحسسه بإستمرار – يُبدي ملاحظات تُشير إلى غموض وصعوبة في تلقّي العمل الإبداعي ، ولا يقوى على استلامه جزءاً أو كلّا ً . وهنا يتحتم على المبدع أن يلتفت كثيرا ً إلى تاريخ الإبداع ويتمعن في المنجز المتحقق الذي حقق توصيلا ً وقبولا ً ، حيث أن َّ التجارب الإبداعية المتنوعة والمدارس الفنية والجمالية ، سبق َ وأن أوصلت إلى المتلقي الكثير من الأعمال رغم اختلافها في الشكل والتشكيل والمفهوم والبناء والرؤيا : الواقعية بأنواعها ، الرمزية ، الصوريّة ، السريالية ، التكعيبيّة ..ألخ . وبذلك يكون التعليل جازما ً ، من أن َّ المبدع عندما يكون بتماس عال ٍ مع التجربة الحياتية الشاملة – سطحها وعمقها – النابضة بالهم الإنساني ، والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والنفسيّة التي تحصل في المجتمع ، بعيدا ً عن التجريد والوهم والغموض المفتعل ، فإن َّ المتلقي سيستقبل إبداعه بالوضوح الذي يتمناه ، رغم الرمزية والصوريّة والسريالية والتكعيبية .

إذن ، بإستطاعتنا القول ، إن َّ ثمة خيطا ً ليس خفيّا ً يربط بين هواجس الإثنين ، ألا وهو خيط الإبداع الحقيقي ، الذي من عُقده : لماذا ، عمَّ ، لمن ، كيف – يكتب المبدع ، وبالتأكيد إن َّ الإجابات المحتملة لا تفترض التسطيح والتبسيط المكشوفين ، وإنما تفترض الهدف الإبداعي الذي يسمو بالإنسان من أجل عالم أرقى وأنقى وأبقى . وعندما يجد المتلقي ، أن َّ شيئا ً من هذا قد تفاعل في ذات المبدع وأظهره متماسكا ً وقادرا ً على كسب الرهان ، رهان الإبداع والتوصيل ، عندئذ ٍ قد نتوافر على فكّ بعض الإلتباسات التوليديّة والذوقيّة والتذوقيّة .

إن َّ طمر الرأس في رمال التبريرات ، لن يُجدي الإثنين نفعا ً ، لأننا بحاجة إلى تحقيق المعادلة الإبداعية : الإبداع زائدا ً التوصيل يساوي الفعل والنجاح ...

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

التقاليد السردية بين الأصالة والأقلمة

مقالات ذات صلة

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد
عام

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

علاء المفرجي يرى الكثير من القراء والنقاد انه كان للرواية ظهور واضح في المشهد الأدبي العراقي خلال العقود الثلاث الأخيرة، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه؟ خاصة والكثير من الشعراء دخلوا مجال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram