تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
الإخراج المسرحي عملية تحكم التحضير لعرض النص المسرحي على الجمهور في القرن التاسع عشر ، كان هناك شخص واحد يتحكم بكل المهمات ويسمى الآن بالانكليزية المنتّج (Producer) أو مدير المسرح Stage Manager ، وفي اللغات الأوروبية الأخرى هناك تنوع في المصطلحات الدالة على المخرج ومنها (سيد المشهد Metteur en scne بالفرنسية و(ربجيسنور Regissenr بالألمانية وافترض صنّاع المسرح في المرحلة الحديثة بأن تعقيدات عناصر إنتاج المسرحية تحتاج الى سلطة واحدة تضمن الوحدة الفنية وتكون قائدةً لفريق الإنتاج . وبهذا المعنى فأن المخرج هو المدير المنظم والمفسر للنص المسرحي والمعبر بما فيه من مضامين والموّحد للملامح العديدة لإنتاج المسرحية (السينوغرافيا واختيار الممثلين والإخراج والتمثيل والموسيقى وإدارة التمارين) قبل العرض الأول وبعد ذلك تنتهي سلطته ، يتنوع المخرجون كثيراً في مقدار التحكم بجماليات العرض ونادراً ما لا يتقيد بقيود معينة عدا أن يكون وسيطاً بين مؤلف النص والمتفرج .
في العصور الأولى من تاريخ المسرح كان كاتب المسرحية أو الممثل الأول في الفرقة المسرحية هو الذي يدير الإنتاج وينظمه وكان الدراميون الإغريق القدماء هم الذين يدربون الممثلين ويعلمونهم ، أما بالنسبة للجوقة فإن مواطناً ثرياً هو الذي يدرب أفرادها ويختار أزياءهم ، وهو الذي يموّل الإنتاج بالمال ، وفي مسرح القرون الوسطى كان المسؤول عن الإنتاج هو (حافظ النص) وهو الذي يدير التمارين وخصوصاً للمسرحيات الدينية والتي يمثلها ممثلون هواة الذين يحتاجون على مزيد من التدريب وسرى الأمر نفسه على الإنتاج المسرحي الأليزابثي ، ولكن من غير الواضح إنْ كان حفاظو النصوص هم غير كتّابها أو غير الممثلين وكم من الوقت تأخذ التمارين ، والواقع أن ظهور المسرح التجاري في القرن السادس عشر وظهور الممثلين الأكفاء المتمرسين والمحترفين أدى إلى تضاؤل الحاجة إلى الإخراج ، وفي أغلب المراحل فإن مهمة إخراج المسرحيات في المسرح الغربي أصبحت بسيطة نسبياً ، وذلك نتيجة الادعاءات الثقافية بما يخص الأسلوب الذي يشترك في تحديده الممثلون المتفرجون ، وثم التعبير عن الأفكار المسرحية التعاونية بتقاليد راسخة يخص توزيع الأدوار على الممثلين والصوت والسينوغرافيا ، وكانت التمارين محدودة جداً ، وكان تدريب الممثلين يتم وفق نظام ابتدائي حيث لم تعطَ قيمة أكيدة لابتكار الأسلوب.
حوالي نهاية القرن التاسع عشر أصبح الأسلوب المسرحي في أوروبا أكثر ذاتياً وأكثر حيوياً . وبتأثير الواقعية أولاً والطبيعية والرمزية فيما بعد ، فقد ظهرت الطليعية التي فضلت التجديد في التعبير وفي البيئة المشهدية والدقة الفنية والستراتيجيات السردية ، وحيث إن التقنيات التي يتطلبها الطبيعيون والرمزيون لإنتاجاتهم لم تكن موجودة في التوجهات التقليدية ظهرت الحاجة إلى المخرج ومهمته المنفصلة عن مهمة كاتب المسرحية ومهمة الممثل لغرض الإشراف على خصوصيات ومتطلبات العرض ، وكانت الكثير من التجارب الجمالية اللاحقة لمسرح القرن العشرين تدعو لوجود مخرجين مسرحيين ليكونوا هم مؤلفي الإنتاج المسرحي وعرضه .