TOP

جريدة المدى > عام > بورسوف الذي يتذكره العراقيون

بورسوف الذي يتذكره العراقيون

نشر في: 31 أغسطس, 2020: 06:19 م

أ.د. ضياء نافع

بوريس ايفافوفيتش بورسوف ( 1905 – 1997 ) يرتبط في ذاكرتنا باسم كامران قره داغي , الذي ترجم عن الروسية كتابه الشهير – (الواقعية اليوم وأبداً) في سبعينيات القرن العشرين ,

وقامت وزارة الإعلام العراقية في حينها بنشره , ولكنها حذفت (في اللحظة الأخيرة) اسم المترجم كامران قره داغي من الغلاف , لأنه ترك بغداد والتحق بالحركة المسلحة آنذاك في كردستان العراق ( انظر مقالتنا بعنوان – كامران قره داغي والأدب الروسي في العراق ) , وهكذا أصبح كتاب بورسوف ( تاريخيّاً!) , لأنه أول كتاب مترجم ( بضم الميم ) يصدر عن وزارة الإعلام العراقية دون إشارة الى اسم المترجم , أو بتعبير أدق , بحذف اسم المترجم قبيل إصداره ( والأسرار لا تبقى أسراراً في العراق) كما هو معروف . والكتاب هذا أصبح مشهوراً أيضاً , لأنه يتناول الأدب الروسي بشكل موضوعي وشامل وعميق , وتلقفه القراء بحب ولهفة , خصوصاً وأنه مترجم بأمانة و بلغة عربية رقراقة وسليمة و سلسة من قبل مترجم كبير ومبدع هو كامران قره داغي . ثم تم إصدار الطبعة الثانية من هذا الكتاب ولكن باسم المترجم كامران قره داغي هذه المرّة بعد أن هدأت العواطف والعواصف و عودة المترجم الى بغداد . إن قصة هذا الكتاب جعلت بورسوف اسماً معروفاً للقارئ العراقي بشكل ما, وهذا هو تفسير طبيعة عنوان مقالتنا , ولكننا في نفس الوقت يمكن أن نطرح السؤال من جانب آخر , وهو - هل يعرف القراء في العراق أو في عالمنا العربي بشكل عام من هو هذا الناقد الأدبي فعلاً ؟ لقد (دردشت) مع عدد من الزملاء حول بورسوف , ووجدت آراء متضاربة جداً بشأنه , فمنهم من يرى , أن كامران قره داغي قدّمه لنا ليس دون هدف معيّن , وإنما باعتباره الكتاب المضاد لروجيه غارودي وكتابه ( واقعية بلا ضفاف ) الشهير ( وقد تعجبّت جداً عندما استمعت الى هذا التحليل العراقي العميق !!!) , ومنهم من يرى , أن بورسوف هو النسخة الماركسية ( المحسّنة) لمفهوم الأدب والفن , ومنهم لم يسمع باسمه ولا يعرفه أصلاً . وبعد هذه (الدردشات الطريفة والغريبة أيضاً!) بدأت بكتابة هذه المقالة عن بورسوف , وهي محاولة لرسم صورة تخطيطية لبورسوف لا أكثر , إذ أن الصورة التفصيلية لهذا الناقد الأدبي الروسي السوفيتي تحتاج الى تفصيلات متشعبة وغور في مؤلفاته العديدة حول الأدباء الروس الكبار , وحول مكانة النقد الأدبي في الحياة الفكرية عموماً ( يوجد لديه كتاب صدر عام 1976 بعنوان – النقد كأدب ), بورسوف الذي حصل على شهادة دكتوراه علوم في اختصاصه , وأصبح بروفيسورا في جامعة لينينغراد ( 1948 – 1966 ) , ثم بروفيسوراً في معهد غيرتسن التربوي في لينينغراد ( 1966 – والى تاريخ وفاته عام 1997 ) .

ولد بورسوف في قرية بضواحي فارونش في الامبراطورية الروسية عام 1905 , وبقي هناك ومارس مختلف المهن الفلاحية في قريته, ولم يدرس في المدرسة سوى 3 سنوات فقط , حيث أنهى الصف الثالث الابتدائي ليس إلا , ثم حدثت الحرب العالمية الأولى 1914 ثم ثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية , ثم الحرب الأهلية في روسيا بعد تلك الثورة بين ( الجيش الأحمر والجيش الأبيض!), وبعد أن استقرت السلطة السوفيتية بشكل أو بآخر, انتقل بورسوف الى مركز مدينة فارونش وانهى هناك المدرسة (كان عمره 25سنة آنذاك) ,ثم تخرّج في معهد خاص بالصحافة والنشر في موسكو , ثم التحق بالدراسات العليا في اكاديمية الفنون وحصل على شهادة الكانديدات ( دكتوراه فلسفة) هناك , وكانت أطروحته عن البناء الفني لأبطال رواية تولستوي ( الحرب والسلم ) , وجاءت الحرب العالمية الثانية عام 1941 , فالتحق بالجبهة مثل كل الشباب الروسي, وهناك ( وسط نيران الحرب الرهيبة تلك) انتمى الى الحزب الشيوعي السوفيتي عام 1942 عن قناعة تامة, وبقي محافظاً على انتمائه الفكري هذا الى نهاية حياته , ولم يساهم بحركة البيريسترويكا ( اعادة البناء) في الثمانينيات , وكان ضد إلغاء دولة الاتحاد السوفيتي بقيادة الحزب الشيوعي السوفيتي , و توفي في روسيا الاتحادية عام 1997 . لقد عاصر بورسوف الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية , ولكنه استمر طوال الوقت مخلصاً لافكاره الشيوعية السوفيتية , التي اقتنع بها في بداية مسيرته وبقي أميناً لها الى نهاية حياته.

هذا عرض وجيز جداً لمسيرة حياة بورسوف , ولا يمكن أن يكون هذا العرض متكاملاً دون الإشارة الى أهم أعماله المنشورة في كتب ومقالات وبحوث . ظهر أول مقال له عام 1935 في مجلة ( زفزدا) الأدبية بلينينغراد وكان بعنوان – نظام تولستوي الاستيتيكي , أما أول كتاب له فصدر عام 1951 بعنوان – الأمّ لغوركي وقضايا الواقعية الاشتراكية , وأصدر طبعة ثانية موسّعة و مزيدة لهذا الكتاب عام1955 , علما أنه كتاب مهم من وجهة النظر السوفيتية الرسمية المعروفة آنذاك حول مفاهيم الواقعية الاشتراكية , وليس من باب الصدفة أبداً أن هذا الكتاب قد تم ترجمته في بعض دول المعسكر الاشتراكي , إذ ظهر في ثلاث دول اشتراكية آنذاك هي – بلغاريا وجيكوسلوفاكيا وهنغاريا . لقد أصدر بورسوف أكثر من عشرة كتب تتناول الأدباء والنقاد الروس الكبار, ومن أهمها كتاب بعنوان – شخصية دستويفسكي , وهو رواية وبحث , وصدر بطبعتين الأولى عام 1974 والثانية عام 1979 , وكتاب آخر بعنوان – مصير بوشكين , وهو أيضاً رواية وبحث , وصدر أيضاً بطبعتين الأولى عام 1985 والثانية عام 1989 .

دراسة مسيرة بورسوف ونتاجاته النقدية المتنوعة بموضوعية تعني دراسة التجربة السوفيتية الفكرية في مجال الأدب بكل جوانبها الإيجابية والسلبية معاً , وهي دراسة تستحق فعلاً اهتمام الباحثين العرب. 

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram