طالب عبد العزيز
تختصر صفحات الفيسبوك لنا سبل معرفة الواقع المحيط، فالبلاد بأرضها وسمائها وقادتها وأبنائها، الشفيع والوضيع، الماضي والتاريخ والحاضر والمستقبل، اقتصادها وثقافتها ورجالاتها وواقعها الأمني والسياسي ووو وكل ما نحتاج معرفته بات واضحاً، وبمتناول أيدي البحث والباحثين، لذا، نقول نحن أعْرَفُ بنا من غيرنا، لكننا، لا نمتلك الجرأة والوضوح لقول ما يتوجب قوله وتسمية ما يتوجب تسميته.
هل نحن جبناء؟ نعم، جبناء، ومرعوبون أمام الحقيقة ! وكيف لا نكون جبناء وآلة القتل والطمر جاهزة ومعلنة؟ لكن، وماذا عن الذين يتصدون للكواتم في الساحات؟ ماذا عن الذين حاربوا داعش وهزموا الارهاب؟ نقول: لعشرات الأسباب المعلنة والخفية، لن نبحث في الأجوبة الكاملة والشافية، لكننا، نسأل، وماذا عن الملايين الهادرة، التي تصرخ منذ قرابة العقدين من الزمن: هيهات منا الذلة؟ كيف هم؟ وماطبيعة مواقفهم مما يحدث لنا ولهم، ألا يحركها الخراب المدمر هذا ؟ ألا تجد في بقاء الأـحزاب والقادة الذين أسسوا الفساد وأشاعوا الموت وسرقوا الحلم بمستقبل آمن للبلاد مادة في الثورة والتصدي وتسمية الأشياء بموجباتها؟
قد لا يصنّف فلاسفة الأخلاق الجبن ضمن قائمة القبح والعيوب الإنسانية، فالمخلوق الآدمي بطبيعته ميال الى الاحتفاظ بحياته وإدامة سبلها، لكنهم(الفلاسفة) يحقّرون القادة المتوحشين، الذي يصنعون من أتباعهم قطعاناً تابعة، ذليلة لا معنى لوجودها سوى إدامة سلطة هؤلاء، وهذا ما يحدث في العراق منذ سنوات طوال، فقد عملت النظم الدكتاتورية على صناعة إنسان مختلف في نفسه، متقاطع معها وعليها، شجاع بمفهوم الشجاعة في جماعته، وهذا النمط من الخلق كان قد أسس له نظام صدام حسين بأسوأ ما يكون، وتفننت الأحزاب الدينية في إدارته وتوجيهه، مؤطرة ذلك بمشورة مرجعيات دينية، أحكمت قبضتها على قلوب وأرواح هؤلاء، حتى بات كل فعل من أفعال التخريب والنسف والقتل والحرق والسرقة مقدساً، لن تطاله يد السلطة، وصاحبه جريء شجاع في نظر قادته، وهو بطل في عشيرته وطائفته.
ما يحدث هنا في عراق ما بعد 2003 هو تحطيب كامل للإنسان، مسخ لجوهره في الوجود، اعتداء على كينونته، التي خلقت للعيش الآمن واللطف والتسامح، ما فعله المقدّس، أو ما أدير به فهم المقدس عند العامة كان كارثياً. في أدبيات السياسة لا ينبغي للزعيم السياسي أن يكون منقاداً لرأي أتباعه وجمهوره، فرحاً بالقطيع السائر خلفه، مهما كان عددهم، ومهما انتفع من أصواتهم في انتخابات أو في ساحة للتظاهر، إنما يجب عليه صناعة إنسان حقيقي، قادر على المساهمة في البناء وفي إدامة زخم الحياة والانتقال بها الى ما هو أجمل وأرقى.
تجهيل الاتباع واستخدام الدين والطائفة والشعائر أهم مرتكزات الزعيم السياسي في عراق اليوم، وهذا فعل لا يرتقي بفن السياسة وصناعة القيم النبيلة، إنما يحطُّ من الانسان كقيمة عليا وهدف نبيل، ويذهب به الى الكهوف المظلمة، ليصبح أداة تنفيذية، مفرّغة من جوهرها. ما يفعله البعض أمام الكاميرات، في لحظات الانفعال الديني، المحرَّك بهستيريا الجماعة المندفعة يرسم لنا صورة مشوهة لانساننا العراقي. هل نحن جبناء ؟ لن نجد الجواب مهما تفننا في صياغته. ما يجعلنا في ذيل التخلف في التعليم والصحة والخدمات ليس إخفاق الدوائر والمؤسسات المعنية، أبداً، إنما هناك انسان لم يوجد بعد ليرتقي بانسانيته، لا يمكن أن تطالب (مخلوقاً-انساناً) بموقف من الحياة والموت، الحق والباطل، الشجاعة والجبن .... وأنت لم تتحقق من شرطه الإنساني بعد، أو أنت من أجهز على آدميته. هناك تراجع في تركيبة القبول والرفض عند الفرد العراقي، وفي إيجاد العقلانية والمعادلة الموضوعية بين الحق للآخر والحق له، هناك آخر تم الغاؤه بالكامل. نحن بحاجة الى رثاء حقيقي لأنفسنا، مثلما بحاجة الى مصحات عقلية تعيدنا الى ذواتنا الاولى.