TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: حنة عراقية لفيروز

العمود الثامن: حنة عراقية لفيروز

نشر في: 1 سبتمبر, 2020: 09:56 م

 علي حسين

امتلأت صفحات الفيسبوك بالسخرية من الفنان العراقي، ووضع البعض مقارنات مجحفة مع أسطورة اسمها فيروز التي قرر الرئيس الفرنسي أن يزورها في بيتها قبل أن يلتقي بأي مسؤول لبناني، وكان السؤال الذي لم يكن هناك مبرر له:

يا ترى مع من سيلتقي ماكرون؟ البعض تناول أسماء معينة بالسخرية، والبعض الآخر اعتبر العراق دولة من القرون الوسطى لم تنجب يوما فنانين كبار ولا شعراء، ولم تولد على هذه الأرض أعظم مهندسة "زها حديد" في الأعوام المئة الأخيرة، ولا صدح فيها صوت أهم شاعر عربي "الجواهري" في القرن الماضي. يؤسفني جدًا أن أقول إن الذين وجهوا إهانات لفنانين بسطاء، فاتهم أن هذه البلاد كانت وستظل عبر عصورها قبلة للمبدعين، عندما توفي المطرب الشعبي المصري الظريف شعبان عبد الرحيم، كتب ناقد مهم من نقاد الموسيقى أن الرجل برغم بساطته صنع لنفسه وهجًا سنظل نتذكره لسنوات طويلة، ولم يكتب الناقد أن شعبان عبد الرحيم كان يعمل "مكوجي" وأنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة. 

في زمن الفوضى ثمة نوعين من البشر: واحد يعتز بانتمائه لبلاده، وآخرون يستميتون من أجل السخرية من كل شيء اسمه عراقي، النوع الأول لم نلتق به في "عراق المؤمنين" لكننا شاهدنا وعايشنا النوع الثاني من "الساخرين" الذين طالبوا بإعدام مطرب مسكين اسمه "سعدون الساعدي" لمجرد أنه إنسان بسيط، واصروا ان على اجراء مقارنات بينه وبين أيقونة عالمية اسمها فيروز؟، المطربة التي غنت للعشق وللهوى وللأوطان والتي لم تكن مغنية فقط، بل فنانة تدرك أن الفن جزء من نضال لا يموت، يستمر ليهز وجدان الناس ومشاعرهم ، الفنانة التي صدح صوتها يغني لبغداد وصورها وشعرائها، وهي نفسها التي افتخرت ببلاد الرافدين عندما غنت عام 1976 في بغداد لتقول للسيدة ابتسام عبد الله في حوار أجرته معها ونشرته في صحيفة الجمهورية : "لقد أحببت بغداد.. وكل شيء فيها جميل.. وأجمل ما فيها ناسها الذواقين للفن" ثم أضافت "بغداد المدينة المتكئة على تأريخ عريق يمتد إلى طفولة العالم".

عندما حصلت السيدة علية خلف صالح الجبوري "أُم قصي" على جائزة الشجاعة العالميّة، لمخاطرتها بحياتها وهي تنقذ عشرات الشباب الهاربين من مجزرة سبايكر، كان الصمت المخجل يملأ العديد من صفحات الفيسبوك التي أصيبت اليوم بمرحلة الطفح الجلدي وهي تسخر من فنانين مشكلتهم أنهم يعيشون اليوم في بلاد تكره الفن، وتعتبر الغناء رجس من عمل الشيطان. 

في ختام حوارها مع ابتسام عبد الله قالت فيروز: "أنا سعيدة لقد اشتريت كمية كبيرة من "الحنّة" هدية لصديقاتي في بيروت، واشتريت لي قطعًا من الحُلي الفضية القديمة.. وكميات من البهارات والفلفل والهيل والدارسين. لقد أحببت بغداد" .

أيها السادة العراق يحتاج منا جميعًا الاعتراف والاعتذار.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram