TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: فيصل الياسري الفتى الذي أضعناه

كلاكيت: فيصل الياسري الفتى الذي أضعناه

نشر في: 2 سبتمبر, 2020: 06:21 م

 علاء المفرجي

لا أريد أن أتحدث بشكل تقليدي عن فيصل الياسري، فهذا الرجل أصابته سهام النقد، مثلما نالته صحائف المدح، كإنسان وكمنجز... وكلا الأمرين يحملان في طياتهما قدراً من التطرّف والمبالغة ..

فما قيل عنه من نقد وصل أحياناً حد التجريح، هو نقد لا يحتكم لمسيرة الياسري التي امتدت لأكثر من ستة عقود بين الأدب والإعلام، ولم تعتمد الموضوعية في تقييم هذه المسيرة، بل وغرق البعض من هذا النقد في التسييس والشخصنة.. أما ما قيل عنه من مدح وإشادة ، فبالتأكيد أخذته الأسباب نفسها في أنها لم تعطِ منجز هذه الرجل حقه في التقييم بل راحت ولأسباب شخصية أيضاً في رسم هالة من القدسية على شخصيته.

وبين هذه وتلك وقف الذين ينشدون تقييماً موضوعياً لمنجزه، موقف المتردد من الكتابة عنه – وربما أكون من بين هؤلاء – أو إعطاء خلاصة بدور فيصل الياسري في المشهد الثقافي والفني والإعلامي.

ولعلها فرصة جميلة أن أمارس دوري كمتابع لمسيرة الياسري في إخراج قدمي من مستنقع المبالغة والتطرف في النقد أو في المدح، لأقف على مسافة واحدة من جميع الآراء التي مارست وجودها بتعسف واضح .

فمما لاشك فيه أن فيصل الياسري يقف بين جيل تشرّف على حمل لواء النهضة الثقافية في العراق منتصف القرن المنصرم، الجيل الذي أسس لثقافتنا في مجال الشعر والفن التشكيلي والمسرح والموسيقى والسينما.. وكانت بداية الياسري في هذه الفترة الخصبة ثقافية فقد عمل في الصحافة عام 1948، وأصدر مجموعة قصصية بعنوان (في الطريق)، كما أصدر رواية (كانت عذراء) عام 1952.. مما يعني أنه انخرط في هذا المجال في الفترة التي شهدت ولادة الشعر الحر في العراق وثورة التشكيلي التي قادها فنانون درسوا في باريس ووارشو ، وظهور رجالات المسرح العراقي لتأسيس مسرح عراقي متميز.. وغيرها في جميع أجناس المعرفة.. 

وإذا كان الياسري لم يستمر في القصة والرواية، فقد ربح الإخراج في ضمه، وهو الأمر الذي مهد له العمل في مجال الإعلام، وهنا أشير الى رأيي المتواضع: في أن الإعلام قد كسب في الياسري من الأدب والسينما... والحق أقول إن الياسري واحد من أهم رجالات الإعلام في العراق والوطن العربي، أقول ذلك عن متابعة دقيقة لما انجزه في هذا المجال، ويكفي أن اشير الى البرامج التي داعبت ذاكرتنا خلال السبعينيات والثمانينيات وما زالت مستقرة في الذاكرة الجمعية لجيلنا مثل البرنامج التعليمي (سلامتك) و(إفتح ياسمسم)، وهذا البرنامج كرسه كواحد من أهم رجال الإعلام في الوطن العربي فقد انتج البرنامج في عام 1977 وهو اقتباس من البرنامج الاميركي وتبناه الصندوق العربي للتنمية والقوى البشرية. ورصدت له ملايين الدولارات في ذلك الوقت. تضمن 573 حلقة. وشارك فيه عشرات الفنانين من مخرجين وإداريين وممثلين وكان الياسري يقف وراء نجاحه حيث وضع الفكرة والانتاج واختار كادره الفني للعمل من دون أي تدخل من الجهة المنتجة ، واستطاع البرنامج أن يلبي أمزجة متشابكة في الوطن العربي .

وإذا كان البعض يأخذ على الياسري انجازه المتميز في برنامج (الملف)، والذي اقتفى آثار العمليات العسكرية على البنية التحتية والخدمات على المواطنين العراقيين في حرب الخليج الثانية، فإن هذا البعض لم يقف عند الجهود الكبيرة في انجازه، بل تناوله بنظرة أحادية الجانب بوصفه برنامجاً دعائياً (كذا)، لكني على ثقة بأن خبراء الإعلام لهم رأي آخر في البرنامج، في أسلوب تقديمه وبراعة إعداده.. وهنا حدثني الصديق المترجم سعدون الجنابي والذي كان أحد أشخاص كادر الإعداد للبرنامج: إن هذا البرنامج وبأشراف الياسري نفسه، استقطب كادر إعداد كبير من إعلاميين ومترجمين بل وحتى أدباء.

من هنا أقول إن إعلامياً كبيراً بين ظهرا نينا فرّطنا به، بهجوم البعض غير الموضوعي عليه، وبتناسي البعض الآخر لتاريخه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram