رعد العراقي
لم تعد منظومة كرة القدم تمثل هواية مجردة تتمتع بمشاهدتها الجماهير واللاعبين، بل تحوّلت الى نظام استثماري تجاوز بإيراداته المالية الكثير من المشاريع حتى باتت بعض الأندية تمثل امبراطورية مالية تمتلك ميزانية تفوق إيرادات الدول الفقيرة.
ولأجل أن يكون الاستثمار ناجحاً ويحقّق الأرباح فإن تلك الأندية اتجهت نحو تطوير البنى التحتية من ملاعب ومنشآت والبحث عن وسائل أكثر إثارة لجذب الجماهير عبر الارتقاء بالجانب الفني لتحفيز المنافسة والاستحواذ على البطولات ليكون اسم النادي ماركة مميّزة تستقطب المعجبين وتعطي قوة لأسهمها المالية عبر ازدهار مبيعاتها وتحكّمها بسوق اللاعبين.
ولم يكن مفهوم الاحتراف عبر صفقات شراء اللاعبين إلا جزءاً من خُطط الاستثمار التي تحقّق عدّة اهداف تبدأ بضمان الارتقاء بالجانب الفني ومن خلاله حصد البطولات التي تدر الملايين من الدولارات ويثبت مكانة النادي في البورصات المالية إضافة الى ارتفاع القيمة السوقية للاعبين ومداورتهم بصفقات مع أندية أخرى إضافة الى ما تحققه لهم مبيعات الملابس وكل ما يتعلق من مستلزمات أخرى مرتبطة بالنادي.
وفق ذلك فإن عملية إدارة الاحتراف تأخذ جانبين: الأول يتمثّل باستقطاب لاعبين على مستوٍ عالٍ، والثاني الاستحواذ على عقود لاعبين مغمورين من عدّة دول وبعقود منخفضة الثمن والعمل على الترويج لهم بشكل تدريجي وبيعهم لأندية أخرى بأسعار عالية! تلك العملية تدار من قبل متخصّصين (كشّافين) ووكلاء لاعبين لديهم القدرة على تسويق لاعبيهم باستغلال العلاقات ووسائل اقناع بالخبرة التي يتميّزون بها.
قد يظن البعض أن احتراف اللاعبين ربما يعود بالفائدة على الأندية واللاعبين إلا أن الحقيقة أن هناك دولاً هي الأخرى استفادت من احتراف لاعبيها المحلّيين وتطوّر الجانب المهاري لهم واكتسابهم الخبرة الميدانية من خلال ضمّهم لمنتخباتهم الوطنية وبالتالي الارتقاء بالمستوى الفني والتنافس على البطولات المختلفة وحتى تحفيز الدوريات المحلية لدخول عالم الاحتراف لرفع مستوياتها.
الكرة العراقية لم تكن استثناءً برغم محاولاتها الخجولة في ولوج عالم الاحتراف سواء بقرار إقامة دوري محترفين أو السماح للاعب المحلي بالاحتراف مع أندية خارجية إلا أن نتائج تلك الخطوة كانت أقرب الى الفشل منها الى النجاح بعد أن غابت الرؤية الصحيحة والتخطيط السليم فلم نخرج بدوري محترفين حقيقي ولم نسلّح لاعبينا بخبرة وثقافة الاحتراف فخسرنا الأموال وضيّعنا فرص ظهور المواهب الشبابية وكذلك حدّدنا خيارات لاعبينا بين الذهاب الى دوريات الخليج أو التخبّط في الاحتراف بدوريات أوروبية لا تضمن سوى الجلوس على دكّة الاحتياط!!
لو وضعت تجربة احتراف لاعبينا منذ اول بدايتها على طاولة البحث والمناقشة سنخرج بمحصل مفادها أن أغلب لاعبينا لم يحققوا النجاح إلا في دوريات الخليج العربي مع أن مستواهم الفنّي يؤهلهم الى الانضمام في دوريات أوروبية ابتداءً من يونس محمود وقصي منير ونشأت أكرم وهوار ملا محمد برغم أن الآخيرين كانت لهم محاولات كاد أن يُكتب لها النجاح عندما لعب نشأت مع فريق تفنتي انشخيدة الهولندي وحصوله معه على لقب الدوري وهوار مع أبولو ليماسول القبرصي ومن ثم مع انيرفوسيس فاماكوستا وظهوره بشكل ملفت أمام انتر ميلان الإيطالي ضمن دوري أبطال أوروبا، لكن احترافهم لم يدم طويلاً وعادوا مرة أخرى الى الخليج وهو مؤشّر يدل على غياب الأسس الصحيحة لثقافة الاحتراف وتخبّط في انتقاء وكلاء اللاعبين الذين ممّن لديهم القدرة على تسويقهم بشكل مثالي وليس بعيداً ما آلت اليه تجربة مهند علي وصفاء هادي الأوروبية من مطبّات مُحبطة لهما ولجمهورهما.
اتحاد الكرة القادم مطالب بإعادة برمجة مفهوم الاحتراف من خلال إعداد دراسة متكاملة تتضمن الخروج بتوصيات حول شروط وضوابط إقامة دوري المحترفين بما يحقق تواجد نوعية من اللاعبين تخدم رفع المستوى الفني للدوري العراقي ولا تؤثر على استحقاق المواهب الشابة وكذلك العمل على إيجاد وسائل ونشرات تثقيفية بخصوص احتراف اللاعبين خارج البلد ابتداءً من تنمية الطموح ودقة اختيار النادي المناسب من ناحية القدرة على التكيّف مع الأجواء العامة وانتهاءً بضمان حقوقهم القانونية وفرصة انتقاله من خلاله الى أندية كبرى.