عمــار ســاطع
إنهُ لامرٌ محزنٌ حقاً.. أن انعى فقيداً، لم يختلف عليه أحد، بل أكاد أن أجزم، إنه لم يكن إنساناً جدلياً قط، بل إن الاختلاف عليه وحتى الجدلية تجاهه، كانت هي الاتفاق على أنه ناظم شاكر، الاسم الذي تردد وحمل من المعاني والصفات الحسنة الكثير الكثير من تلك التي لم أجدها في حياتي ابداً تجتمع في شخص بعينهِ!
فالراحل.. كان واقعياً أكثر من الواقعية نفسها، ولم يكن مراوغاً، حتى حينما كان لاعباً، بل كان مواجهاً في كل مرة يثبت على أنه مباشر في الطرح ولا يتردد في أن يذكر ما في جعبته، وحتى الآراء التي كان يطرحها، كان يعمد أن يمررها بأسلوبه المختلف والمُقنع.. هكذا عرفته.. نعم يذكر الواقع وما حوله دون زيادة أو نقصان ودون لفٍ ودوران!
أكثر من 25 عاماً وأنا أعرف ابا فهد، الرجل الفذ، والإنسان قبل الرياضي، والاجتماعي والمُحب للحياة، وصاحب المواقف الثابتة.. أعرفه لاعباً مغامراً ومدرباً يعشق التحديات وارتبط اسمه بالعمل الفني أكثر من كونه كان نجماً في الاديم الاخضر مدافعاً صنديداً أوقف أشرس المهاجمين وكانت شهرته قد سبقته حتى قبل مسيرته الدولية، بل إنه كان متفوقاً متميزاً في زمن تلألأت فيه النجوم، حباً وعشقاً بالمستديرة!
يا لها من خسارة فادحة، أن نخسر رجلاً مثل ناظم شاكر بسبب الجائحة اللعينة.. الرجل الذي يحفظ معاني المواقف من الألف الى الياء.. ويألفها الغريب قبل القريب، ويتفقده العدو، إن وجدَ، قبل الصديق.. فناظم الودود والمبتسم، كان جديراً بالثقة حتى في اتخاذه للقرارات، وعناده، تلك الصفة التي كانت دائماً ملازمة معه، ولم تفارقه، حتى في قراراته الجريئة، وحتى ذلك القرار الذي غير الكثير، حينما اختلف مع المدرب الالماني سيدكا ببطولة أمم آسيا في قطر قبل تسعة أعوام، يوم انسحب من الدوحة وعاد الى أربيل وواجهته بسؤالٍ، اعتقدت إنه سيغضب منه! غير أن المفاجأة أنه قالها لي بالحرف الواحد "عموري أنتَ من شوكت تعرفني؟"، ثم ما لبث أن بادرني بالسؤال.. "اني ناظم شاكر.. لا سيدكا ولا الأكبر من سيدكا يكدر يغير من المبدأ الي أمشي عليه"؟ قلت له ـ ابا فهد لا تزعل بس المنتخب كان محتاجك بهذا الوقت، وأنتَ انسحبت لأنك اختلفت مع المدرب ـ.. ابتسم أبا فهد وعاد ليقول "ناظم بحياته ميقبل بالغلط، والمدرب غلط ومن صححت له المعلومة، حاول يقلل من شأن طرحي عليه" ثم قال.. "ابتعدت حتى لا أضر بمنتخبنا في البطولة.. والأمر كان بمحض إرادتي".. وهو العنوان الذي كتبه يومها بموقع MBC.NET الذي كنت في حينها مراسلاً له أثناء تغطية بطولة كأس أمم آسيا 2011!
تخيلوا انني مسحت كل ما عرفته عن الكابتن، وبدأت أركز على ما سجلته عنه من رُقي وسرعة قرار حكيم، بعد ذلك الحوار، بل أنني ركزت على الكاريزما التي كان يملكها، وقلت مع ذاتي.. ناظم شاكر من الصعب أن يعمل مساعداً لمدرب ما، أي مدرب، وربطت ذلك الحادث بماضٍ عشته قبلها بأعوام، فاتحاد الكرة في العام 2005 سمى الراحل ضمن الكادر التدريبي للمنتخب الوطني، لكنه لم يتواجد معه للحظة واحدة، وقبلها سُمي ضمن الجهاز الفني المشرف على المنتخب الاولمبي ولم يدخل أي وحدة تدريبية، الى حين تسلمه المنصب الأول مدرباً للمنتخب الوطني عام 2010 يوم قيادته لأسود الرافدين في مواجهتي فلسطين في أربيل وبغداد، يوم كسر الحظر عن ملاعبنا، ثم تسلم مهمة الاولمبي عام 2011 بتصفيات دورة لندن، وكانت تلك الحقبة التي فعل فيها الراحل، ما لم يفعله غيره، فقد خسر في أربيل أمام نظيره الإيراني القوي بهدف، لكنه عاد وتفوق في ملعب آزادي الكبير وسط طهران بهدفين وحمل علم العراق عالياً وسط النجيل الاخضر، ذلك العلم الذي لف نعشه وهو محمولاً على أكتاف آلاف العراقيين المحبين في تشييعه المهيب!
هكذا عرفت ناظم شاكر.. التأريخ.. ناظم شاكر الشجاع بمواقفه والرجل الواثق من خطواته والمخلص مع الجميع والشهم في قراراته والعزيز بأخلاقهِ.. رحمك الله واسكنك فسيح جناته.
** ** **
الكلمة موقف
القيادة صفة.. وناظم شاكر.. قيادي موهوب فكان قائداً للقوة الجوية (الطيران سابقاً) يحمل شارة الكابتن وهو لاعب بعمر 23 عاماً متقدماً على آخرين سبقوه مع الفريق خبرة عمراً.. ككاظم شبيب وهشام مصطفى وسعدي توما واراهمبرسم وغيرهم من كتيبة الصقور، فكان بحق صقراً مختلفاً!