علاء المفرجي
على وقع هذا التنافس الجاري بين الكتاب الورقي والألكتروني، بين أفول الأول، وازدهاروصعود الثاني، بين العلاقة التاريخية ، والصداقة والمصاحبة والحميمة وعشق رائحة الورق لقارئ الكتاب الورقي، و والانتشارالواسع للكتاب الإلكتروني الذي يشهده على الشبكة العنكبوتية ، حتى يخيل للمرء أن القارئ للكتاب الورقي آيل للاضمحلال والزوال.
يأتي كتاب الكاتب والصحفي الإيطالي جيامبييرو موغيني (رائحة الكتب) عن دار المدى بترجمة دلال نصر الله، والذي ينطوي على عنوان فرعي دال هو (تفاصيل حميمة في الثقافة الايطالية).
والكتاب هو سيرة ذاتية فكرية لمقاطع وفواصل وأمزجة وذكريات لمثقفين أو هي جانب من هذه السيرة. إنه ليس كتابًا مقدسًا ، ولكنه كتاب منحاز للجذور. متحرر من ماهو رقمي للإنترنت ، مقتنعاً بالنضال غير المتكافئ الذي يخوضه الكتاب الورقي، ومع ذلك عازم على القتال بمفرده ، مثل الفارس الضال ، هذه الحرب لصالح "المخلوقات الورقية" ضد السطحية. " مخلوقت هشة، مصنوعة من ورق ، تشغل ارتفاعاً وعرضاً بسيطاً من سطح المكتب، ولا تنقصها شجاعة ولا أقدام. إنها كتب وكتيبات من القرن العشرين، مغلّفة ﺑﺘﻐﻠﻴﻒ ﻭﺭﻗﻲ ﺭﻗﻴﻖ ﺃﻭ ﺳﻤﻴﻚ، ﻭﻛﻞﱞ ﻣﻨﻬﺎ مكون ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻗﻠﻴﻠﺔ، ﺃﻭ ﻣﻄﻮﻳﺎﺕ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﻦ. ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻭﺭﻓﻴﻌﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻫﺬﺍ الﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ نقرأه. فنجد كتباً ﺗﻬﺎﺟﻢ ﻧﻴﺮﺍﻥ مدفعية ﺭﻗﻤية، ﻭجيشاً ﻣﻦ الصفحات المجانية المنبثقة ﻣﻦ ﻧﻘﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ اللوح ﺍﻹﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ ﺃﻭ الحاسوب، ﺑﻴﺌﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻭﻗﺒﻴﺤﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟتوﺍﺻﻞ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻋﺎﻟﻢ ﻓﻴﺴﺒﻮﻙ، ﻭﺇﻧﺴﺘﻐﺮﺍﻡ.
يقول المؤلف مورغيني: " ﺟﻴﺶ ﺭﻗﻤﻲ ﻟﻢ يُصمَم (ﻻﻋﺘﻘﺎﻝ ﺍﻷﺳﺮى)، ﺑﻞ للتدمير، ﻭﺍﻟﻘﺘﻞ. ﺟﻴﺶ دمَر ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟتسجيلات، ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴتينيات ﻭﺍﻟسبعبنيات. ﻛﻤﺎ ﺧﺮّﺏ ﻭﺩمَر ﺍلتصوير ﻭﺍﻟﻤﺼﻮّﺭﻳﻦ، ﻭﺩﻭﺭ النشر ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺪﺭﺕ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺠﻼﺕ ﺍﻷﺳﺒﻮعية، ﻛﻤﺎ ﺩﻣﺮﻧﺎ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎﺕ. ﺳﺎﺀ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﻜﺘﺐ، ﻭﺃﻏﻠﻖ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻤﻜﺘﺒﺎﺕ أبواب متاجرهم."
اختار مورغيني أبرز ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، لمؤلفين إيطاليين، ﻻ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺷﻬﺮﺓ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺃﻫﻤﻴﺔ، ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺗﻤﻴﱡﺰﺍً، ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﻭﺿﻮﺣﺎً. فقد إختار ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻛﺘباَ ﻗﺮﺃﻫﺎ ﻗﻠﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺗركز ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻋﻠﻰ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻣﻬﻤﺸﻴﻦ، ﻻ ﻳﻌﻘﻞ ﻧﺒﺬﻫﻢ. ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ، ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ المهمة ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻨﺎ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻢ ﺗﻠﻖ ﺭﻭﺍﺟاَ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ، إبتاعها قليل من الناس.
تلك الكتب التي يعرضها موغيني كمعرض أو يرويها كما في التعليق الرياضي ، موصوفة بالتفصيل في مظهرها وخصائصها عندما ظهرت في الطبعة الأولى ، لأن هذه هي اللحظة التي يخاطر فيها الكتاب بمغامرته في العالم. . يشكلون جميعاً مكتبة "مثالية" ليس بالمعنى الموضوعي للمصطلح ، بل بالأحرى تعسفية وذاتية وأحياناً وقحة ، تتشكل من نزوات الذاكرة وأحياناً الأذى.
يرى موغيني أنه ﺗﺨيل الكتب ﺍﻟﺘﻲ سيحدثنا ﻋﻦ ﺗﻮﺍﺭﻳﺦ ﻧﺸﺮﻫﺎ، ﻭﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘشد ﻟﻤﺠﺎﺑﻬﺔ ﻋﺪﻭ. وجميع ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺧﺘارها هي جزء من مكتبته ، ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ السير الذاتية. يجمعها حوله وهو يكتبن. يشمها، ﻭﺗﺬﻛره بشبابه. ﻟﻴﺴﺖ "ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻧﻤﻮﺫﺟﻴﺔ" ﻣﻮﺿﻮعية، ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن يكون حيادياً في ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ. فهي بالنهاية مكتبته هو، تخصه ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﻜﺘﺐ المتعلقة ﺑﺎﻹﺑﺎﺣﻴﺔ ﻣﺜﻼً. "أنها "ﻣﻜﺘﺒﺔ" شكلتها ﺃﻫﻮﺍﺀ ﺫﺍﻛﺮﺗﻲ، ﻭﻣﻜﺮﻫﺎ ﺃحياناَ. ﺃﺗﻤﻨﻰ ﺃﻥ ﺃﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﻛﺸﻂ ﺁﺭﺍﺋﻲ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﺷﺒﺎﺑﻲ، ﻟﻦ ﺗﺮﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ."
يقول المؤلف:" ﺗﺮﺩّﺩﺕ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺿﻢ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﻔﻬﺪ ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﺗﻮﻣﺎﺳﻲ ﺩﻱ ﻻﻣﺒﺪﻭﺯﺍ ﻟﻬﺬﻩ "ﺍﻟﻤﻜﺘﺒﺔ". ﻭارتأيت ﻋﺪﻡ ﻓﻌﻞ ﺫﻟﻚ. ﻓﻬﻲ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﻗﺮﺃﻫﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻭﺷﺎﻫﺪﻭﺍ ﺍﻟﻔﻴﻠﻢ ﺍﻟﻤﻘﺘﺒﺲ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻟﻮﺗﺸﻴاﻨﻮ ﻓﻴﺴﻜﻮﻧﺘﻲ. ﻟﻜﻦ ﻻ ﺿﻴﺮ من ﺫﻛﺮ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻋﻦ ﻃﺒﻌﺘﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻊ 3000 نسخة ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻘﻂ، ﻷﻥ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺩﺍﺭ ﻓﻠﺘﺮﻳﻨﻴﻠﻲ ﻟﻢ ﺗﻤﻠﻚ ﺃﺩﻧﻰ ﻓﻜﺮﺓ ﻋﻦ ﺗﺴﻮﻳﻖ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﺭﺟﻞ ﻣﺠﻬﻮﻝ ﻣﻦ ﺃﺷﺮﺍﻑ ﺻﻘﻠﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﺣﺪﻳﺜﺎً. ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ آلاف ﻫﻲ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺟﺴﺎﺭﺓ والأكثر جاذبية من بين 150 طبعة لاحقة.
وموغيني قارئ نهم أصدر 40 كتاباً وفي حوزته 20.000 ألف كتاب منها 2000 كتاب نادر، وأهتم في كتابه هذا في الانتصار للكتاب الورقي من خلال تناول كتب تشكل عيونا في مجالها، ولكن ليست أي كتب من أكثر الكتب العزيزة عليه الموجودة في مجموعته المخصصة لإيطاليا في القرن العشرين.. عمد لأن تسجل منعطفات بالتاريخ الإيطالي الحديث، فقد اختار رواية (أولياء العهد) لفيدريكو دي روبيرتو، والتي يرى أنها تتفوق على رواية (الفهد) للامبيدوزا، مثلما، تناولغرامشي، و سالفميني، روسيلي، بيراندلو.. واخرين.
من ﺫﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﺧﻞ ﻣﺘﺠﺮ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺫﺍﻙ - يقول موغيني - ﻭﻣﺎ ﺳﺒﺐ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻟﻨﺴﺨﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺍﻟﺜﻼث ﺁﻻﻑ، ﻟﻜﺘﺎﺏ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؟ ﻫﻞ ﺟﺬﺑﻪ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ، ﺃﻡ ﺃﻣﺮ ﺁﺧﺮ، ﺇﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﺎﻷﺩﺏ ﺍﻟﺼﻘﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺘﺞ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻻﻣﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻹﻳﻄﺎﻟﻲ ﻟﻠﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﺜﻼ؟ ﺃﻛﺎﻥ ﺷﺨﺼاً ﻗﺪ ﺳﻤﻊ ﺑﺠﻴﻮﭬﺎﻧﻲ ﻓﻴﺮﻏﺎ، ﻭﻟﻮﻳﺠﻲ ﭘﻴﺮﺍﻧﺪﻳﻠﻮ، ﻭﻓﻴﺪﻳﺮﻳﻜﻮ ﺩﻱ ﺭﻭﺑﻴﺮﺗﻮ، ﻭﻓﻴﺘﺎﻟﻴﺎﻧﻮ ﺑﺮﺍﻧﻜﺎﺗﻲ؟ ﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ. ﺍﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻘﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ، ﺛﻢ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ، ﺛﻢ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ. ﻓﻼ ﺗﻔﻮﺗﻬﺎ. ﺃﺗﺮﺍﻧﻲ ﺷﺨﺼﺎً يتغذى ﻋﻠﻰ ﺃﺷﺒﺎﺡ؟ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﻜﺘﺐ - ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﺎ - ﻫﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﻔﺘﺮﺓ ﺷﺒﺎﺑﻲ، ﻭﺍﻟﺸﻐﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ.