إياد الصالحي
اسرار الكرة المجنونة لن تُضحكك على الدوام حتى لو كنت مستعداً لتكسب منافسك النتيجة استحقاقاً أم بضربة حظ، فأحزانها مريرة وصدماتها مفجعة لا سيما إذا ما صادف أحد الفرق أو اللاعبين النجوم موقفاً قدرياً يُغيبه عن محبيه كموت الفجأة أو المرض أو حادث سيارة أو تحطّم طائرة وغيرها، فهنا تختلف ردّات الفعل بين دولة وأخرى، ويبقى التساؤل المهم كيف تظل ذكراه خالدة في ذاكرة الجماهير مع مرور السنين وتعاقب الإدارات على ناديه؟
ما يلفت انتباهنا في الآونة الأخيرة بروز ظاهرة حجب رقم النجم عن أرقام فريق النادي اعتزازاً بمسيرته البارزة ودوره في خدمة النادي ومشاركته في صنع منجزات كبيرة على صعيد الدوري أو الكأس وحتى مع المنتخبات، وهو أمر يدلل على محبة الرياضيين وتقديرهم لما بذله النجم الراحل كمعالجة شعورية منهم تؤكد للناس أن ابن النادي محط اعتزاز وثناء كبيرين.
حجب رقم النجم الراحل هل هو حل سليم؟ قطعاً لا.. ولا يرتقي الى الحالة الحضارية في كيفية تخليد النجوم دون المس بمبادئ أساسية ذات علاقة بقانون اللعبة من ناحية تسلسل ارقام اللاعبين حسب ظهورهم في التشكيل، فتصوّروا نادياً مثل الزوراء يحجب رقمي ( 5 و8 ) بعد رحيل علي هادي وأحمد راضي رحمهما الله متأثرين بجائحة كورونا، وقبلهما تمّت مطالبة إدارته بحجب الرقم (15) للكبير علي كاظم رحمه الله، وبمرور الوقت نفقد أحبة كُثر من اللاعبين، فهل يعني أن الزوراء مقبل على حجب تدريجي للأرقام عن قمصان لاعبيه؟!
لا يقتصر نقدنا لنادي الزوراء وحده، بل هناك نادي القوة الجوية الذي قرّر حجب رقم (4) للكابتن ناظم شاكر رحمه الله الملقب بـ(ابو غزالة) أحد مدافعي الكرة العراقية الأفذاذ الذي بثّ الرعب في قلوب جميع المدربين الأجانب وهم يتساءلون قبل بداية كل مباراة هل صاحب الرقم (4) موجود هذا يعني تحطّم كل آمالهم الهجومية بفعل صلابته وفدائيته وذكائه في مراقبة الكرة قبل اللاعب.
الكرة العراقية ولودة بالنجوم الشباب والكبار، ونبغي من مسألة اعتراضنا على حجب أرقام النجوم المتوفين أن نمنح الثقة للجيل الجديد بالتحلّي بصفات اصحاب الأرقام ممّن مرّوا في تاريخ اللعبة لأكثر من 70 سنة، وهناك اجيال عدّة ضحّوا من أجل انتصار العراق كجيل عمو بابا وجمولي وعبد كاظم وجلال عبد الرحمن وعدنان درجال ويونس محمود وصولاً الى جيل مهند علي وبشار رسن وكتيبة قحطان جثير (فرسان الغد) ألا يستحق شبابنا أن نوشّح قمصانهم بأرقام اسلافهم ليبهروا العالم بالأداء والغيرة وهم يحملون مسؤولية مزدوجة الدفاع عن سمعة بلدهم وكذلك الإيفاء بحق رقم القميص مستذكراً أيام البطولات وأمجاد صاحبه، كل ذلك يقع على عاتق المدرب لرفع المعنويات كسلاح ضارب قبل بدء المواجهة.
نشير الى أن نظام الترقيم للاعبي كرة القدم بدأ منذ عام 1928 ومرّت الأندية والمنتخبات في العالم بظروف غير طبيعية من كوارث بيئية نجم عنها رحيل عشرات النجوم، ولعل أبرز حادثة في تاريخ الكرة هي سقوط طائرة بريطانية يوم 6 شباط 1958 تحمل فريق مانشستر يونايتد أثناء محاولة الإقلاع من مطار ميونخ بألمانيا الغربية نتيجة عاصفة ثلجية أدّت الى مصرع 23 شخصاً من مجموع 44 وفقد النادي (8) لاعبين وبعض موظفيه وعدد من الصحفيين، ولما سُئِل بوبي تشارلتون أحد الناجين من الكارثة بعد مرور سنين طويلة عن أي الحلول الناجعة لتخليد الراحلين حجب ارقامهم أم تصميم نصب تذكاري لهم قبّالة النادي، قال "يكفي أننا تعاملنا بطريقة صحيحة وقتها فقد تم عمل لوح خشبي أخضر كالملعب وطرّزنا أسماء اللاعبين مع موجز عن الحادثة، أما الأرقام فهي تتوالى من لاعب لآخر وترتفع قيمتها برحيل اصحابها".