TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > صاحب كتاب نهاية التاريخ يكتب عن: نيتشه: الفلسفة في السياق

صاحب كتاب نهاية التاريخ يكتب عن: نيتشه: الفلسفة في السياق

نشر في: 15 مايو, 2010: 04:21 م

فرانسيس فوكوياما ترجمة: نجاح الجبيليأحد مخاطر كتابة سيرة فيلسوف عظيم هو الإغراء في اختصار أفكار مهمة إلى مجرد علم نفس، نتيجة بعض الحوادث الطارئة في التطور الشخصي للفيلسوف. وقد تجنب هذا الشرك (الخطر) جوليان يونغ، بروفسور في جامعة أوكلاند وجامعة ويك، بكتابة سيرة "فلسفية" لفردريك نيتشه (1844-1900) إذ يتيح السياق قصة الحياة لكنه في المطاف الأخير ليس توضيحا للأفكار.
 وبهذا الفعل أتاح مقدمة جدية وقابلة للقراءة، إن لم تكن بالضبط مبتكرة، إلى "فلسفة نيتشه ذات المطرقة".إن السياق بالأخص هو مهم في قضية نيتشه لأن قصة حياته كانت درامية. كان فردريك الشاب ( أو فريتز كما كان يعرف) بكل المقاييس وببساطة الطالب الأكثر ذكاءً بالنسبة لأساتذته المحترمين الذين التقوه في أيما وقت مضى. راجعاً إلى أيامه في المدرسة التي يقيم بها في "بفروتا". وقال أستاذه في الفقه الكلاسيكي في لايبزغ فريدريك ريتشل بأنه طوال 39 سنة من التعليم "لم يعرف رجلاً شاباً ناضجا مبكراً مثله". منح نيتشه الدكتوراه حين كان عمره 24 سنة وعلا البروفسورية في جامعة بازل في السنة نفسها؛ ورُقي إلى بروفسور كامل في الخامسة والعشرين- وهو العمل البطولي الذي لم يقم به حتى لاري سومرز.غير أنه في عمر مبكر جداً تعرض نيتشه إلى سلسلة من العلل بضمنها صداعات العمى التي ستستمر عدة أيام ومشاكل الهضم التي تركته يتقيأ وطريح الفراش والعمى المتقدم الذي سمح له بالقراءة بألم فقط ساعتين في اليوم. جاءت هذه الأعراض مضعفة جداً له إذ أنه كان مجبراً على ترك كرسي الأستاذية بعمر 34 سنة، والتي بعدها انسحب إلى معتزل وحياة هائمة مرتحلاً بين سويسرا وجنوب فرنسا بحثاً عن مناخ يسمح له بالتخفيف من معاناته هامشياً. كتب أعماله العظيمة في بضعة أيام من وضوح النظر سمحت له بين نوبات طويلة من العجز الجسدي. فقد أنهى كتاب " جينالوجيا الأخلاق" في معظمه في ظرف ثلاثة أسابيع عام 1887.إحدى المفاهيم المركزية في فلسفة نيتشه كانت "العود الأبدي" الذي هو الحاجة إلى توكيد قيمة حياة المرء في كل تفصيل مفرد كشيء يجب تكراره بصورة لانهائية عبر الزمن. وبافتراض التعذيب الشديد لوجوده الجسدي فإن مثل هذا التأكيد كان شهادة على رغبة نيتشه الضخمة التي تحولت إلى جنون حين انهار على جانب الطريق في تورين في كانون الثاني 1899 مع أوهام أنه أصبح إلهاً صنعه العالم. يلجأ يونغ إلى التفسير السايكولوجي المحض بصورة رئيسة في موضوع موقف نيتشه تجاه المرأة. ويلاحظ أن نيتشه كان له حلقة كبيرة من الصديقات في غاية الفعالية والذكاء وقد عدهن العديد كونهن من أصحاب مذهب النسوية المبكرات. ولكونه بروفسور بازل اتخذ نيتشه وقفة الأقلية بتفضيله تسجيل النساء ببرنامج الدكتوراه. لكن بعد علاقة الحب الكارثية مع "لو سالومي" التي سرق عواطفها صديق نيتشه الحميم "بول ري" أصبح يعد النسوية كنتائج مشؤومة للحداثة والنساء بحاجة "للسوط" ( حسب كلمات إحدى شخصيات كتاب "هكذا تكلم زرادشت").  القضية الأخطر التي أثيرت في هذه الدراسة أو أي دراسة أخرى عن نيتشه تتعلق بطبيعة برنامجه السياسي الثقافي، "ماوراء تقييم كل القيم" الذي حصل في فجر موت المسيحية. يوجه يونغ النقد بصورة مناسبة لمحاولات النازيين لتصنيف نيتشه ضمنهم. ويشير إلى أنه بالرغم من وجود طارئ للعداء للسامية في سنواته المبكرة فإن نيتشه حين أصبح كبير السن كان يقف ضد معاداة السامية ومناوئاً لبسمارك وناقداً للشوفينية الألمانية التي ظهرت بعد أن توحد الرايخ عام 1871. غير أن نيتشه كان يأمل بمجتمع مستقبلي تراتبي سيبذل فيه العديد من الناس الجهد الشاق لخدمة قلة من العظماء وهو المجتمع الذي سيحل فيه التنافر الحضاري للمجتمعات الحرة المعاصرة محل حضارة شائعة مفردة. يناقش يونع بأن هذا كان ليس مشروعاً سياسياً في الواقع وبأن السوبرمان (الإنسان المتفوق) على قمة الهرم يجب أن يفكر به بصورة أقل مثل الدكتاتور الشبيه بهتلر وبصورة أكبر مثل الزعيم الروحي الذي يقارنه بصورة مختلفة مع الدالاي لاما أو آية الله الخميني في إيران. بالنسبة إلى نيتشه بنظر يونغ فإن الالتقاء الحضاري لم يكن شيئا يجب تعزيزه من خلال السلطة السياسية بل شيئا يخلق عفوياً من خلال المشاركة الجماعية في الفن كثيراً مثل مدن الأغريق القديمة إذ جرى جمعها معا من خلال الأداء المشترك للتراجيديا.  عندئذ يفسر هذا الدور المركزي الذي تؤديه الموسيقى في الفلسفة. إن نيتشه العازف الموهوب على البيانو والمؤلف أحياناً كانت لديه آمال عظيمة بموسيقى ريتشارد فاغنر وهذا ربما ساهم إلى حد ما كأساس لإعادة بناء الثقافة الألمانية على قاعدة فن موحد ولهذا السبب دخل بشكل توّاق إلى حلقة فاغنر وزوجته "كوزيما". وانفصل عن المؤلف لا بسبب أنه توقف عن الإيمان بالمشروع لكن لأنه شعر بأن فاغنر نفسه كان غير بارع جداً في تحقيقه.لكن فهم مشروع نيتشه كونه حضارياً أكثر منه سياسياً يجب أن لا يمنعنا من رؤية تعقيداته الرهيبة. ربما يكون المرء لفترة وجيزة قادراً على خلق مجتمع ذي نطاق صغير مؤسس على الالتزام الشائع والطوعي للفن كما جدّ فاغنر في طلبه في "بيروذ&

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram