كاظم الجماسي أبي الفلاح بقي فلاحا، منذ ولادته في العام1920 حتى حانت ساعة مغادرته في العام1997، تلميذا نجيبا لما يعلمه غرين الأرض من نقاء ووداعة وما يعلمه نبتها من عطاء وشموخ، لم يكن طوال تلك السنين ذليلا يوما، ولم يكن قد شكا لحظة من مصيبة ألمت به،
وما أكثرها وما أقساها من مصائب، هل تصدقون ان اشد مرضا ألم به السخونة والزكام، ولم يكن مرضا على شدة وطأته، يقعده الفراش لحظة او يجعله متقاعسا عن عشقه العظيم للعمل، ولما يحين المساء وبأس المرض قد نال من جسده المرصوص، نلقاه متكئا على وسادة من وسائد امي الريشية، واضعا سبابته اليسرى في اذنه اليسرى، على عادة اهل الريف، مترنما بموال محمدواي يفيض بالتحدي والفتوة. سألته يوما: يقولون اذا طابت النفوس غنت، فكيف تطرب وانت عليل؟ لن تصدقوا بماذا أجاب، بعد ان جرني بقبضته المتينة وضمني اليه ليبوح لي بسر عظيم، هامسا باذني: ابني اذا لم تكبر على مصيبتك تكبر عليك...مناسبة هذا الكلام مابتنا نلمسه لمس اليد من مكابرة أسطورية لا يمتلك شبيه لها شعب في العالم كله، غير هذا الشعب العظيم حقا، والذي مازال يسبح بحمامات الدم الطاهر الزكي لشهدائه رجالا ونساء وأطفالاً، يقوم من فوره ولحظته، بعد كل حمام قتل يتعرض له، بإزالة مخلفات الدمار الهمجي، يغسل المكان ويعيد له رونقه، ليمارس تفاصيله اليومية وكأن لا مصيبة إصابته للتو أوان امرا لم يكن، فأية مكابرة لا تكبر بل تسمق على المصائب، هازئة بها وبفاعليها من إمعات الشر والرذيلة، واية روح تتطاول حتى عنان السماء تطوي بين جنحيها كوارث متتالية، لو ان مشهدا يسيرا منها شهده شعب من شعوب الأرض لتهاوى وانتكس في براثن اليأس و شرانق القنوط، الا هذا الشعب الذي لا يمكن ان تنال منه اشد الحرائق فتكا وقسوة، كأية عنقاء أسطورية تظل بالحيوية ذاتها على الدوام، نافضة ما يعلق بأذيالها من رماد الحرائق، مقبلة بعشق لا نظير له على ان تحيا لحظتها باحتفاء مهيب بالحياة.وحتى اللحظة في الصفحة الأخرى من بانوراما حياة هذا الشعب، لم تزل (منذ قالوا بلى) سعالي القبح والظلام وغيلان و الجريمة النتنة تنشب خناجرها المسمومة في البدن الواهن لهذا الشعب المبتلى، وتطعن في الصميم من روحه ووجدانه النقي الشريف المحب للحياة، والانكى من ذلك هذه الندرة البالغة الغرابة فيمن يستشعر هول الكارثة وعظمها من رهط الساسة الساعين، يجمعهم لهاث رخيص بل ومسعور، للقبض على مقاليد الأمور، حتى باتت صرخة إنسانية مدوية يطلقها جور المأساة تخرق أسماع الضمير الإنساني من دون ان تهز شعرة واحدة في اذان اللاهثين العديمي الإحساس والشعور.rnKjamasi59@yahoo.com
مكاشفة ..مكابرة وجحود
نشر في: 15 مايو, 2010: 05:12 م