فخري كريم
لا تزال المراهنة جارية على إجهاض انتفاضة تشرين . فالبعض يراهن على عامل الوقت. والبعض الآخر، يرى أن كسب عامل الوقت يتطلب في نفس الوقت تدابير وإجراءات تنفيسية .
والأطراف المراهنة من داخل المنظومة الحاكمة، الطائفية المثقلة بفسادها وجرائمها، صارت منذ التغيير الحكومي الفوقي تعمل بصمت وتحت سُتر الظلام في اتجاهات مختلفة لكسب الرهان. ومن بين مراهناتها كبح جماح الإدارة الحكومية من الذهاب أبعد من خطوط التفاهمات في معالجة الأزمة. والعمل على وقف التدهور في الاوضاع المتردية والحيلولة دون تفاقم مظاهرها العصية على الحل. لكن الخطر الحقيقي ما زال يكمن في تفاعل الآليات الداخلية للأزمة والمترادفات التي تتحكم في التنوعات التي تحرك مساراتها وخيارات بعضها الضبابية.
والخشية لا تتأتى من التناقضات الثانوية بين الفصائل المكونة للانتفاضة ولا في حيرة بعضها من كيفية استنهاض القوى الخاملة في المجتمع. كذلك لا تتبدى في رغبة بعضها بالاستئثار بدور متميز في قيادتها وتوجيه خياراتها. فمثل هذه الحيرة عند التجربة سرعان ما تصطدم بتوازنات القوى على الأرض ومدى تطابق أهدافها مع خيار الاحتجاجات الجماهيرية حول مطالب ثانوية وآنية في إطار النظام القائم ومنظومته المحاصصية الميليشياوية الفاسدة، أم العمل بثبات لإضفاء ديمومة ديناميكية للحركة لتمكينها من التحول الى استنهاضٍ جماهيري لكل قوى المجتمع الحية لتحقيق هدف كسر آلية منظومة الفساد والمحاصصة وتجاوزها عبر تغييرٍ بنيويٍ يرتقي بأهدافه من خلال تعميق التنوع في إطار وحدة قوى الانتفاضة وتكريس وجهتها وحل تناقضاتها على قاعدة الوحدة مع الاختلاف والتعدد.
ويبقى الخطر الجدي آتٍ من خارج الحركة نفسها، وبالتحديد من القوى الدخيلة عليها الميليشياوية التي سعت للاندساس فيها منذ البداية لإضعافها عبر تشتيت قواها وحرف مساراتها وإثارة الالتباسات حول طبيعتها وأهدافها. ولم يتوقف الاندساس. فقد انضمت إلى القوى الميليشياوية تيارات وشخصيات طامعة في ليّ الانتفاضة وإظهارها خلافاً لطبيعتها، وإخضاعها تحت شعارات مخاتلة لتوجهات ومصالح تحزبية وشخصانية غريبة عنها. والسعي لإخضاعها لمراهناتٍ في الصراع داخل المنظومة وفي أطرافها وحواشيها على السلطة أو باتجاه شعاراتٍ لا علاقة لها بصلب عملية التغيير المطلوبة وآلياتها. بل هي في كل الأحوال على حافة جوهر التغيير المنشود. مثل شعار نظام رئاسي أم برلماني على سبيل المثال لا الحصر . ساهيةً عن الانتخابات وآلياتها ونتائجها والقوى المحركة لها، بوصفها المحور الاساسي الذي عليه يعتمد حسم جميع الشعارات والتوجهات والدستور وطبيعة النظام المنشود، دون استثناء كل الأماني المؤجلة منذ أكثر من ستة عقود.
إن قوى النظام ومنظومتها القائمة نشيطة في إظهار جوانب معينة ثانوية باعتبارها أساسية وكأن عليها يتوقف التغيير والإصلاح. في حال أنها لاتعدو كونها تخديرية تستهدف تمييع الحركة وتشتيت قواها وتفريغها من محتواها الجوهري الثوري.
إن ما هو حاسم في عملية التغيير التي تستحق أن تتكرس لها الانتفاضة ، هو بالتحديد الأهداف التالية، وسواها لن تقود إلا إلى تدويرٍ أسوأ للمنظومة الحاكمة:
- نزع سلاح الميليشيات كمهمة أساسية أولى وتعطيل قوتها التخريبية للانتخابات، وتجريدها من كل إمكانية لتأجيل الانتخابات أو التلاعب بقانونها ومفوضينها.
- إنجاز قانون الانتخابات بما يجعل من آلياته قوة ردعٍ للمتلاعبين. وحاملٍ فعالٍ لتمثيلٍ حقيقي لكل طبقات وفئات ومكونات المجتمع العراقي المراهن على إيجاد وطن يتسع للجميع ويكون قاعدة لإرساء أسس نظام ديمقراطي مؤسساتي ينزع نحو حماية الحريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
- إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات وتكليف الأمم المتحدة بها دون تدخل من أية جهة أخرى أو أن تكون لها الكلمة الفصل. وخلافاً لذلك يتمثل في تشكيل لجنة وطنية تضم جميع القوى من داخل وخارج العملية السياسية وبإشراف، إن لم يكن بقيادة، الأمم المتحدة.
إن إلزام الحكومة لنفسها بأي عبء تفصيلي آخر من شأنه أن يأتي على حساب هذه المهمات. وعلى قوى الانتفاضة أن تدعم تكريس الحكومة للمهمات المذكورة باعتبارها جوهر عملية الانتقال.