TOP

جريدة المدى > عام > مثقفون: من دون كرامة لا معنى للكلمة واللوحة والصورة الفوتوغرافية والمَشهد المسرحي

مثقفون: من دون كرامة لا معنى للكلمة واللوحة والصورة الفوتوغرافية والمَشهد المسرحي

نشر في: 30 سبتمبر, 2020: 08:00 م

متابعة المدى

في الحراك الشعبي الأخير تفاعل المثقف بدراية العارف مع طبيعة المحركات لهذا النوع من الحِراك ، أسبابها ومبتغياتها ، ومن ثم توصيف الحلول الناجعة ،

وهكذا أشارَ وكتبَ وساهمَ ميدانياً لأنه فرد من المجتمع وليس فرداً في الحراك فقط ، إلّا أن هذا التفاعل لم يكن في الحد المطلق ، كون التباين في مواقف المثقفين مازال يحدُّ من تكوين الرؤية الواحدة نتيجة لتشعب المنابع الثقافية والفكرية والسياسية وقوّة سطوة السياسي الطاغية التي ترى الفهم للتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية بمنظار آيديولوجي واحد بعيداً عن المتغيرات العالمية .

وإذا كان المثقفون العراقيون قد انخرطوا في الحراك الشعبي الذي يجتاح بلادنا منذ تباشير أيامه الأولى فإن هذا لم يأتِ بالمصادفة لأنهم باتوا يدركون أن لا معنى للحياة من دون كرامة ولا معنى للعيش إذا ما تم تهميش إنسانيتك ولا معنى للكلمة واللوحة التشكيلية والصورة الفوتوغرافية والمَشهد المسرحي.

واستطلعت المدى اراء بعض المثقفين حول دورهم في التظاهرات:

خالد خضير: انحسار الوسائل النضالية (العتيقة)

التاريخ مواقف، والمثقفون في طليعة أصحاب المواقف من المشكلات الوطنية والاجتماعية، سواء انخرطوا في الحراك الاجتماعي كما يوصي كرامشي، او التزموا عدم الانخراط في الحراك الاجتماعي، حسب (جوليان باندا) في كتابه الشهير (سقوط الاكليروس)، وكلا الخيارين، يسعى لإبداء الرأي في مختلف الشؤون الإجتماعيّة، وإن نأى بنفسه عن المشاركة في حراك مجتمعه، أو إنتاج حلول وتطبيقها.

ونحن نرى بعض (المشتغلين بالشان الثقافي)، وهم يساوقون خطاباتهم مع المناسيب الثورية للشارع العراقي، فبعد أن كانوا ينشرون مواقف مضادة للتظاهرات، ثم تلبسوا خطاب النصح بالسلمية وغيرها مما تؤاخذ عليه التظاهرات من وجهة نظرهم، وأخيراً بدأت تنفرج أسارير منشوراتهم، وقد يتحولون أخيرأ الى الأدعاء بأنهم قادة للاحتجاجات!.

إن حكم التاريخ قاس في تسجيل مواقف كل مثقف تجاه ما يتعرض له العراقيون من إبادة، وترويع، وهم يطالبون بحقوقهم، ويطالبون بانهاء الفساد الذي اعترف به أربابه، وقادة كتله، أنفسهم.

إن التظاهرات، التي هي أقوى وسائل الاحتجاج الاجتماعي السلمي، لا يمكن أن يؤدي فعلها الجماهيري الآن دون تغطيتها إعلاميا، ومتابعتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي هي أقوى وسيلة إعلام جماهيرية رغم كل مساوئها من ناحية ضعف الصدقية، إلا إنها تمتاز بسرعتها الفائقة في نقل المعلومة والرأي، وهي لا تحتاج وسائل إنتاج معقدة؛ فيكفي لإنتاجها موبايل بمواصفات عادية، وإن أهم نقاط قوتها إنها محمية دولياً فلا تتمكن الدول من حضرها دون عواقب، وخسائر اقتصادية جسيمة، ودون احتجاج دولي ضدها..

الشاعر صادق الطريحي: دور المثقف في الحراك الجماهيري

في البدء علينا أن نعترف أنّ هناك الكثير من المثقفين النّشطين سياسياً واجتماعيّاً، قد تبنوا خطابهم السّياسيّ المستقل بكل صراحة ووضوح، واشتركوا في التّظاهرات السّابقة، رافعين العلم العراقيّ وحده، وقد تعرض الكثير منهم إلى المطاردة الميدانية، ونلحظ اليوم أنّ الحراك الجماهيريّ قد جذب الكثير من المثقفين، ولعل هامش (الحرية) البسيط (بعض الصحف، وسائل التواصل الاجتماعي، المنتديات الأدبية والثقافية) الذي حظي به المثقف قد ساعدت في تقديم المثقف لرؤيته الشّخصية حول الحراك الجماهيري، بسرعة وتلقائية، وقد لاحظت أنّ وسائل التّواصل الاجتماعي أخذت المساحة الأوسع لعرض رؤية المثقف ، ويبدو لي أنّ الشّكل الفنّي المهيمن لرؤية المثقف ، هو صيغة المنشور السّياسيّ المباشر بمصاحبة الصّورة، وهو الشّكل الأقرب لأصدقاء ومتابعي المثقف ، لذلك قلّت الأشكال الأدبية الأخرى. ولاحظت أنّ الصّفحات الثّقافية في الصّحف تحبذ نشر القصص أو القصائد الخاصة بالحراك الجماهيريّ، وهو ما ندعوه بـ (فنّ المناسبة) وغالباً ما يكون هذا الفنّ مرتبطًاً بالمرحلة الخاصة به، وربما لا يستطيع الصّمود فنيّاً لأجيال أخرى! لكننا ـ كما أرى ـ نستطيع أن نستثني الكثير من الأعمال الفنية التّشكيلية على الجدران في ساحة التّحرير.

ولعل المثقف لم ينجُ من بعض عيوبه الفنية، وهو يشترك في هذه الحركة الجماهيرية، فقد لاحظت تكرار البعض لأنفسهم، وربما كانت النّرجسيّة هي الصّفة الدّائمة لبعض المثقفين، من خلال كثرة صوره مثلاً، بغض النظر عن غاية منشوره!

ولاحظت أنّ (المثقفين) المرتبطين بأحزاب السّلطة، رسمياً عبر وظائفهم التحاصصية، أو عبر عقود مؤقتة، قد أخذوا جانب الصّمت أو الحذر، ومما لا شكّ فيه أنّ منشوراتهم تمثل وجهة نظر أحزابهم، فليس لمثل هؤلاء شخصية ما!

أمّا أنا فأرى أنّ الحياة لن تستمرّ إلا بوجهيها المتناقضين، الحبّ والموت، الحضور والغياب، لذلك علينا ألّا نستجيب لصوت المناسبة فقط، بل علينا أن نعيش طبيعيّاً، فللثورة وقت، وللحبّ وقت، وللموت وقت، وللشعر وقت.

الناقد والأكاديمي قحطان فرج: على المثقف تغيير مساراته

تظل الاسئلة مشتعلة حول دور المثقف ومهمته في المجتمع والدولة، وكيف يتخلص من السلبية والنخبوية التي وصِف بها على مر حقب تاريخية وثورية كثيرة في العراق على الأقل؟ هل سيظل في ساحة نفي السلطة ومعارضتها والتنظير ضدها ليكون عدوها؟ هل سيهادن ويكون بصفها؟

هذا من جانب السلطة... ومن جانب المجتمع هل ستكون النخبوية هي أداته النرجسية بالعزلة؟ هل سيفهم نبض الشارع ويؤمن بأنه على الأرض عرب من نوع آخر؟ عرب صغار تعددت جذور ثقافاتهم وانفتحوا على علم جديد ... هل سيفقد المثقف فاعليته وخصوصيته إذا كان بصف من لا يعرفهم ويعرف حقوقهم؟ ... واعني بالخصوصية اضطلاعه بإنتاج الفكر وصناعة المعرفة ... اعتقد إن دور المثقف الحقيقي الآن بخلق واقع فكري جديد، وإنتاج وتنظيم مطالب تؤمن بحركة الزمن وتغيير نماذج التفكير خارج صناديق النرجسية والاحتكار الطبقي.

إن مهمة المثقف اليوم مهمة عويصة وعليه يجب تغيير مساراته كي يخرج من المأزق فمشكلته الآن لم تعد مع السلطة السياسية، أو الدينية فقط، بل هي اعقد إنها: مع الممانعات من داخل منظومة التفكير نفسها التي ما تزال تجتر التاريخ والتراث وتعيد إنتاجه وتغفل الواقع بكل تعقيداته، مشكلته من نقطة البداية التي يجب أن تكون من الواقع الى المستقبل لا من الماضي الى الماضي، ومن هنا أنا أخالف معظم المثقفين الذين يصدمهم الواقع دائماً ويسقط ما في أيديهم ولا يستطيعون المواجهة لضعف الأدوات لأنه كمن يواجه الدبابة بالخنجر، ومن هنا إذا كان الواقع يصدم فعلينا أن نبني أدواتنا من الواقع ذاته لا أن نستوردها دون معرفة استخدامها.

الناقدة المسرحيةأطياف رشيد:انتهى زمن الوصايات

لعب المثقف دوراً بارزاً في مساندة الجماهير ومساندتها في قضاياها الإنسانية والمصيرية . وفي التاريخ لنا أمثلة عن تأثير وقيادة الطبقة المثقفة من كتاب وشعراء وصحافيين للحراك الجماهيري ضد الظلم والطغيان أو الاستعمار كما في فرنسا ومصر وحتى العراق في وقفات مشرفة ومهمة في قيادة وتحصين الثورات والانتفاضات من أن تنزلق وتحيد عن مسارها وأهدافها الإنسانية وطموحاتها في الحرية والسلام .

غير أن النهضة الشبابية اليوم أكبر من أن يكون لها قائد أومساند ضمن نهضة التحولات والمتغيرات الفكرية والوطنية التي يشهدها البلد ،نهضة تحاول الانعتاق من كل ماهو جامد ومتحجر وكل ماهو سلبي لا يعترف بمهادنة واقع مرير ،وهدفه فضاء واسع من الحرية والتواصل الإنساني العابر للمذهبية والتخندق العقائدي والفكر الأحادي ، ليس لأن طروحات المثقف وخطاباته ينقصها الوعي المعرفي بل لأن جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تحتاج الى ادبيات مواكبة لكل تلك التحولات اكثر من تنظيرات فلسفية لا تساهم في رفد حياته واغناءها لاماديا ولامعنوياً ولافكرياً ومعرفياً ،المثقف اليوم ينظر بعين تملؤها الدهشة والإعجاب في هذا المناخ الاستثنائي المشحون ، المثقف اليوم ليس قائداً ولكنه مراقب يساهم من حين لآخر بتقديم النصيحة بحب أبوي لكنه لا يمسك زمام الأمور ولايتخذ الخطوة الأولى ، اثبتت ثورة تشرين إنها صناعة شبابية خالصة تمتلك مفردات بنيوية مختلفة ،تمتلك وعيها الخاص وبصمتها الخاصة والمميزة لعصرها ربما إننا وبداعي شعورنا بالمسؤلية تجاه أبنائنا ووطننا ومحاولة الحفاظ على المسار الذي رسموه نحاول أن نقدم بعض من زهرات معرفتنا وأفكارنا خائفين حريصين على الأحلام العظيمة لفلذات أكبادنا وهي تشق طريقاً وعراً في الظلام نحو أهداف سامية في وطن حر من التبعية ،حر من الخرافات ،نقي من أدران العنصرية والطائفية .لا أدري ، ربما انتهى زمن الوصايات وبزغ فجر جيل من أهم سماته إنه منتعق من مخاوفنا ،ينظر الى أمام بكثير من الثقة والأمل.

الفنان التشكيلي ستار كاووش: على المثقف ان يعيد النظر في كثير من الامور

علينا أن نقف كلنا مع شباب العراق وهم يطالبون بإستعادة حياتهم المدنية وإرجاع روح العراق إليه، تخيل إنك تعيش حياة واحدة فقط ويأتي شخص معمم أو سياسي لص - وكلاهما يأخذ تعليماته من إيران- ويسلب منك هذه المرّة الوحيدة التي تعيشها ويستولي على كل حقوقك في بلدك الذي ليس لديك سواه، لذا على المثقف أن يكون صفاً واحداً مع المتظاهرين، عليه أن يقوي شرعيتهم بأفكاره وكلماته وحضوره وكل ما يستطيع القيام به. هؤلاء الجهلة الذين يسيطرون على مقدرات البلد لديهم النفوذ والسلطة والقنابل لذا علينا أن نحاربهم بالكلمة التي لن يجيد هؤلاء إستعمالها أصلاً لأنهم جهلة وبأيديهم سلاح. علينا أن نعرف كيف ندير المعركة بالكلمات والرأي السديد وابتكار أفكار جديدة لمقاومتهم ومقاومة نفوذ أسيادهم الايرانيين وغير الايرانيين. الروح الوطنية العراقية نهضت وهَبـتْ مثل عاصفة لن يستطيع أحد الوقوف بوجهها، وعلينا إدارة كل ذلك بشكل جيد، على المثقف أن يعيد النظر في الكثير منها ويضع بأيدي الثوار شعارات واضحة وعميقة ومؤثرة، شعارات تصيب الهدف مثلما تصيب حكام البلد بصداع مؤلم في الرأس. بإمكان المثقف أن يتواصل مع الأعلام خارج العراق أيضاً إن استطاع ذلك، ليوصل الصورة الحقيقية لما يحدث في البلد، فدخان القنابل التي مازالت ترمى على رؤوس الشباب سيتحول أمام قوة الكلمة الى دخان خرافات مثل تلك التي زرعوها بين الناس. علينا أن نحمي بلدنا بكل ما نستطيعه ونقف بوجه صانعي هذه الأحابيل وننمي التكافل الذي حدث في ساحة التحرير، هذا التكافل الذي نما مثل شجرة من أشجار حديقة الأمة، ليتحول بعدها الى بستان يحمي الشباب الغاضب. على المثقف في هذه الظروف أن يوظف كل طاقته ليكون مع شباننا ويتابع خطواتهم ويقوّي روحهم المعنوية وهم يعبرون بخطواتهم نحو عراق جديد.

الصحفية والمترجمة عدوية الهلالي: مشاركة حقيقية في التغيير

من الضروري بالطبع استمرار الروح الحماسية والشعور بالمشاركة الحقيقية في التغيير لدى المرآة لما بعد الحراك الشعبي لأن توحد الصوت العراقي وسموه على النوع والجنس والدين والطائفة والقومية منح المرأة ثقة أكبر بنفسها وقدرتها على الوقوف مع أخيها الرجل في الظروف الصعبة واتخاذ القرارات لتغيير وجه البلد فضلا عن منح الرجل إمكانية النظر إلى المرأة كأداة فاعلة وحيوية في المشاركة في إحداث التغيير...كانت المرأة العراقية بحاجة الى هذا الانقلاب في الوعي الفكري والثقافي لتخرج عن إطار مطالبها الشخصية وإحساسها بالتهميش والعزلة إلى التفكير في القضايا العامة والمشاركة فيها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram